من آثار التصوف الاجتماعية : استباحة الأعراض
للعلامة الشيخ العربي التبسي الجزائري
رحمه الله
للعلامة الشيخ العربي التبسي الجزائري
رحمه الله
هذا استفتاء ورد إلى الشيخ العربي التبسي رحمه الله تعالى يصور لنا مدى الانحطاط الفكري الذي وصلت إليه الإسلامية على يد مشايخ الطرق الصوفية، هؤلاء المشايخ الذين أشاعوا الجهل في الأمة وصدوها عن العلم وأهله؛ ليتمكنوا من استغلال الناس واستعبادهم بل واستحمارهم كما عبر الشيخ العربي التبسي في هذه الفتوى، حيث لم يكتفوا بادعاء خصائص الأنبياء حتى زعموا لأنفسهم صفات الإله سبحانه من رزق وشفاء وإعطاء ومنع وتصرف في الكون، ولم يكتفوا بأخذ أموال الناس باسم النذور والوعدات والزردات فضلا عن الزكوات؛ حتى استباحوا أعراضهم في صور بعضها أفضع من بعض، وهذا الاستفتاء نموذج من تلك الصور، وإن كان يوجد ما هو أشر منه وأقبح.
السؤال :
ما قول سادتنا العلماء في رجل غني طرقي من بلدة "سان لوسيان"([1])، عقد على ابنته البكر لرجل مسكين ليس بطرقي، وكان العقد شرعيا جامعا لشروط النكاح كلها، ولما أراد زوج ابنته البناء منعه من البناء بها، لأن شيخه قد تعلق قلبه بها، ولا بد من إرضاء الشيخ، لأن سخطه عليه هو عين سخط الله.
ولما لم يمتثل أبو المرأة لحكم الله، استعان عليه زوج ابنته بأهل الجاه فما نفعته استعانته، ثم طالبه عند قاضي مدينة وهران، فما رفعت المحكمة عليه مظلمته، ولما أيس من زوجته وعلم أن لا طاقة له بمنازعة هذا الفاجر لفظ بكلمة الطلاق.
فهل يلزمه الطلاق؟ وهل يجب على من استطاع من القضاة أن يفسخ نكاح الطرقي المذكور؟
الجواب على هذا السؤال:
أن المطلق قد أوقع هذه اللفظة باختياره وقاصدا لها مؤديا بها معناها الموضوعة له، فطلاقه لازم له، ولا تعد تلك المظالم التي نزلت به حين لا مُخلِّص له منها ولا معين على دفعه برافعة لاختياره في إيقاع الطلاق ونطقه به، لأن الطرقي الفاجر وتابعه المستحمر لم يكرهاه على النطق بكلمة الطلاق، وإنما منعاه من البناء بامرأة طلقها أو لم يطلقها.
فالمسألة ممسألة حيلولة بين الرجل وامرأته، لا مسألة إكراه على الطلاق، وشروط صحة الطلاق موجودة في هذه الحادثة، فليَلُم الأخ المطلق([2]) نفسه أن أوقع الطلاق.
الجواب عن السؤال الثاني:
أن هذا الطرقي العاهر المفرق بين المرأة زوجها قد أفسد المرأة على حليلها، بسبب ما قد توهمه فيه تابعه فيه من السلطة الروحية والنفوذ الديني فهو أعظم جرما ممن تزوج امرأة في عدتها، وأعظم جرما أيضا ممن خطب على خطبة أخيه.
وكل من تزوج امرأة أو خطبها بعد خطبة غيره وحصول التراكن والرضى معلوم حكمه في الفقه داخل المذهب وخارجه .
ثم إن من أفسد امرأة على زوجها اختلف فقهاء مذهب مالك في تأبيد تحريمها على مفسدها وعدم التأبيد على قولين :
فأما الذين رأوا عدم التأبيد فقد قالوا: نكتفي بتفسيقه وتأديبه ويجب عليه أن يتوب من هذه الكبيرة، ولا نتعدى إلى القول بتأبيد التحريم لأن الحادثة جديدة وتأبيد التحريم يتوقف على السماع.
وأما الذين قالوا بتأبيد تحريمها فإليك كلمة الأجهوري منهم نقلا عن الأبي قال:« إن من سعى في فراق امرأة ليتزوجها فإنه لا يُمكَّن من تزوجها، وإن اعتدى وتزوجها فسخ نكاحه قبل البناء وبعده.
وسواء كان قول المؤبدين هو الموافق لمراد الله أو قول المبيحين، فموضوع المسألة قديما يغاير([3]) موضوع مسألتنا الحديثة بسبب ما اختصت به هذه الحادثة من اعتقاد المرأة ووليها أن تنفيذ شهوة الشيخ طاعة لله، وأن عدم تنفيذها يجلب لهما سخط الله مبدلين باعتقادهما هذا حكم الله في المسألة، ومصيِّرِين([4]) الإسلام تابعا لشهوات شيوخ الضلال.
فتقرير النكاح الطرقي يزيد هذه العقيدة الإشراكية تمكنا، ويكر([5]) أيضا على قاعدة معاملة أهل الفساد بنقيض قصدهم بالإهمال، ويفتح باب تعدي هؤلاء الفاجرين -الذين أضلوا العامة- على حقوق غيرهم، ويعرِّض كليات الشريعة من دين ومال وعرض ونسب لتلاعبهم بها بسبب عقيدة العامة الجاهلة فيهم، وهذا أيضا إبطال لقاعدة سد الذرائع التي يجب أن تُراعى في العقائد والأعراض والأنساب أكثر من غيرها.
فهذه المعاني الجديدة المعتبرة التي حفَّت بهذه الحادثة، قد تعطيها نظر المجتهدين ما يجعلهم يقولون بتأبيد تحريمها عليه بسبب هذه المعاني الذي ذكرناها.
ثم إننا نلفت أنظار العقلاء من أبناء هذه الأمة إلى ما يأتيه هؤلاء الأشرار من الموبقات التي لا تجوز مع أعدى عدو لنا في الدين، فكيف يستبيحونها اسم الدين الذي يقول :"ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم".([6])
--------------------------------------------------------------------------------
[1] / تقع في وهران وسميت هذه البلدة بعد الاستقلال بلدية "أحمد زهانة".
[2] / في الأصل "المصلح" وما أثبتاه أنسب للمعنى، وقد صوبه أيضا أحمد الرفاعي الشرفي في آثار الشيخ (2/140).
[3] / في الأصل "تغاير".
[4] / في الأصل "ومصيري".
[5] / في الأصل "ويكرر" وفي الآثار لأحمد الرفاعي "ويقرر" وما أثبتناه أنسب والعلم عند الله تعالى.
[6] / البصائر السنة الثالثة (3/392) (الصفحة 2 عدد 138 ) بتاريخ 11 رمضان 1357هـ الموافق لـ4 نوفمبر 1938.