بل فرعون لعنه الله مات كافرا
نشرت جريدة عكاظ في يوم الثلاثاء 15/1/1432هـ مقالًا للكاتب نجيب عصام يماني عنوانه: (هل فرعون مات كافرا) قال: فإنه نطق بالشهادة على وجهها وأعلن إيمانه بالله وتوحيده له عندما أدركه الموت كما جاء في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 90] وهذه شهادة واضحة وصريحة ولقد قال الله سبحانه في الآية الأخرى: (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) [النساء: 18] وفرعون إنما مات بعد النطق بالشهادة فهو على الأصل لم يمت كافرا- إلى آخر ما قال.
وإنك لتعجب أيها العاقل من هذا التناقض العجيب من نجيب حيث ساق الآية التي تدل على بطلان قوله ليستدل بها على إيمان فرعون والله يقول فيها (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) [النساء: 18] وفرعون إنما قال ما قال لما حضره الموت وقد نفى الله قبول التوبة عمن هو في مثل حال فرعون فإن فرعون إنما قال: (آمَنْتُ) [يونس: 90] لما أدركه الغرق وحضره الموت فليس له توبة بنص الآية الكريمة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" أي تبلغ روحه الغرغرة، وفرعون قال ما قال لما بلغت روحه الغرغرة بإدراك الغرق له لما رأى أنه ميت لا محالة. وقد قال الله في حقه: (أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 91] وقال الله عنه: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ* يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) [هود: 97-99] وقال عنه: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ) [القصص: 39-42].
وقد بينت كل الآيات التي جاءت في سياق قصته أنه استمر على الكفر والاستكبار إلى أن مات. وقال تعالى في حقه: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى) [النازعات: 25] أي نكال الدار الآخرة والدنيا ولم ينكر أحد كفر فرعون وموته على الكفر إلا أهل وحدة الوجود من جماعة ابن عربي وأمثالهم والأحاديث التي استدل بها الكاتب فيمن قال لا إله إلا الله ثم قتل في سبيل الله فدخل الجنة والذي قالها ثم قتله أسامة رضي الله عنه ظنًا منه أنه قالها يتقي بها السيف وأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قتله بعد ما قالها وأمثال ذلك من الأحاديث إنما هي في حق من قالها موقنًا بها قبل الغرغرة وقبل أن تبلغ روحه الحلقوم بخلاف فرعون فإنه إنما قالها لما أدركه الغرق وعاين ملك الموت فالواجب على الكاتب نجيب يماني التراجع عن هذا الرأي الذي لا يوافقه عليه أحد من أهل الحق وأن يكتب تراجعه في كلمة ينشرها في الصحيفة التي نشرت مقالته المشار إليها وأن لا يورط نفسه في شيء لا يحسنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جامع الرسائل: وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام لم يسبق ابن عربي إليه فيما أعلم أحد من أهل القبلة ولا من اليهود ولا من النصارى.
بل جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل. فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعي لنفسه الربوبية والألوهية مثل فرعون. انتهى من الجزء الأول (ص 277) والله أعلم.
وفق الله الجميع لقول الحق والعمل به وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه.
كتبه:
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء