جاءت هذه المقالة في مجلة الهدي النبوي /العدد (7) / لعام 1365هـ بلا اسم، وتكون هذه المقالات –فيما
أظن- لرئيس التحرير أو مدير المجلة، وقد كان رئيس التحرير حينها سماحة
الشيخ العلامة محمد حامد الفقي، ومدير المجلة سماحة الشيخ محمد صادق عرنوس –رحمهما الله تعالى-.
وقد جاء في المقال:
اعتاد
فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أن يطالع قراء صحيفة (الإخوان) صباح
كل جمعة بحديثٍ افتتاحي في الدين وما يدعو إليه من أخلاق فاضلة، مما يجعله
بمثابةِ تلطيفٍ لحرارة الجو السياسي الخنِق.
و الحديث –ولاشك-
فيه خيرٌ كثير لولا ما يدُسُّهُ فضيلته في ثناياه من رقائِق تُطبعه
بالطابع (الصوفي) الخيالي الذي يستعين به دائما في تليين القلوب وجذبها إلى
حظيرة الهداية كما فعل في حديث الجمعة الأخير الذي عنون له بـ (قلــم
التسجيــل).
فقد
ساق له من الشواهد القرآنية ما فيه قرّة عين المؤمن، وسكينةَ قلبه،
وطمأنينة نفسه، بِغضِّ النّظر عن الموضع الذي وضع فيه الآية الكريمة: ((في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة)) حيث أقحمها في غير ما نزلت لأجله؛ فقد أراد بها الكتب التي يُدوَّن فيها الوحي، ولذلك قال بعد هذا: ((بأيدي سفرة كرام بررة))
وأراد بذلك: ضمان حفظها من التغيير والتبديل، فلا تَحْمِلها إلا الأيدي
الأمينة الطاهرة إلى رسلٍ أُمناء اطهار، يُبلّغونها الانس كما جاءت عن
ربهم، كما قال في الآية الأخرى: ((إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهرون)).
فكُتُب
الوحي توصف بالطُهر والرّفعة والكرم دائماً، فهي أوصافٌ لا تُزايلها
أبداً، أما كُتُبِ الأعمالِ ففيها ما هو في علّيين وفيها ما هو في سجّين،
فليست دائماً: ((في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة)) حتى تَصْلُح الآيةُ شاهداً لما قصده فضيلة المرشد؛ ولنغضّ الطّرف من ذلك ونقول: لعلّه لم يتعمّده.
ونحن في الواقع ما سقنا ذلك إلا استطرادا لم يكن مقصوداً، أما المقصودُ بالذات من كلمتنا هذه فهو مِثل ما جاء في حديثه الأخير:
" ولعلّ
من لطائف صور هذا التسجيل ما ورد في الحديث: (أن رجلا قال في بعض أدعيته
ومناجاته: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضَلت
بالملَكَين فلم يدريا كيف يكتُبان ثوابها، فقال الحق تبارك وتعالى: اكتبها
كما قال عبدي، فإذا لَقِيني جزيتُه بما قال)".
وليسمح لنا الأستاذ الكبير أن نقول له:
إن معنى هذا الحديث يحكُم بوضعه أو ضعفه على الأقل ضَعفاً تَستبعِد معه نِسبته إلى الرسول –صلى
الله عليه وسلم- إذ أنّ معناه يُخالفُ المقطوع به من الكتاب والسنّة: من
أن وظيفة الملائكة قاصرةٌ على الاحصاء والتدوين، فلا تتعدى إلى تقدير
الأعمال ووضع درجاتها، فهم شهود على العبد يُسجّلون أعماله ثم يؤدّونها إلى
الذي ((يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور) والذي يزِنها بالنّية وإخلاص
القلب، فيضع لها من الدرجات ما هي جديرةٌ به.
وقد
تتشابه صورُ الأعمال فتُسجّلها الملائكة كما صدَرَت، فيرفَعُ اللهُ بها
قوماَ، ويخفض بها آخرين، ومقياس ذلك بيده وحده لا شريك فيه حتى الملائكة.
هذا
من حيث معنى الحديث أمّا سنده فلْيَدُلّنا عليه! نكن له من الشاكرين؛ على
شرطِ أن يعافينا من الإحالة على (إحياء) -من يُسمّونه- حُجّة الإسلام، ومن
يُسمّيه المُحقّقون (الحجّة على الإسلام) الذي ذكر الحافظ العراقي على
شواهده من السّنة، فلم يدعْ أديماَ صحيحا.
والذي
يرجع إليه السبب الأكبر في طبع الأستاذ بهذا الطابع الصوفي، الذي طالما
جرّهُ إلى مثل هذه المواقف التي ما كُنّا نحب أن يتورّط فيها، وقد كان
يكفيه ما ساقه من الشواهد القرآنية، وله من صحيح السّنة ما يعضده هذه
الشواهد لو كانت بحاجة إلى عضد، ولكنه أبى إلا أن يكون مَثَلُه كمثل رجلٍ
بنى بيتاً بالأسمنت المُسلّح، ثم جعل أعمدتَه من لبنٍ وطين، فلا يلبث بأقلّ
ثقلٍ أن ينهار من أساسه !!
ثم
انظر أيها القارئ كيف ظهرت على فضيلة المرشد أعراض التصوّف، وأوضح ظهور
عندما تجرّد من ماديته ولع من الروحانية المبلغ الذي يقول فيه:
"بل إن بعضهم فرض هذه الرّقابة على خطرات نفسه، كما أحكمها مع جوارحه وحِسّه، وكان يُردد وهو يعني ما يقول:
ولو خطرت لي في سواك إرادة
على خاطري يوماً حكمتُ بردّتي "
فأنشدك أيها القارئ العزيز:
هل
كان يصلح لفضيلة المرشد العام الذي يصغي لرشاده ودروسه آلاف المريدين أن
يجعل قول معتوهٍ من ضُلّال الباطنية شاهدا في حديث ملأه بآي الذكر الحكيم
؟!
فإذا كان هذا القائل يعني ما يقول فيسد منافذ قلبه حتى لا يدخلها غير ما يريد من الخواطر والخلجات فرسول اله –صلى الله عليه وسلم- أفهم لما يقول عنه في رواية صحيح البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خَلَق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فلْيستعذ بالله ولينته".
هذا هو القول الوارد عن المعصوم الذي
يعبّر عن الفطرة الإنسانية كما خلقها الله فيُشخّص داءها ثم يصرف دواءها،
ولا يخرجها عن دائرة ضعفها وأصل تصميمها كما أخرج شاعر الأستاذ نفسه منه1ه
الدائرة فكان من الكاذبين؛ كيف والله يقول في المؤمنين من الصحابة: ((ويظنون بالله الظنونا)) وما طعن ذلك في إيمانهم ولا قصد؛ ونعوذ بالله من تنكُّب الجادّة.
ولعلم الله –عز وجل- بما ركب في فكر عباده من الضعف وأن خَطَراتَ النفس لا يمكن ان ينجو منها إنسان، قال رسوله –صلى
الله عليه وسلم- في الحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم: "إن الله تجاوز
عن أمتي ما وسوست أو حدّثت به أنفسها مالم تعمل به أو تكلّم" فإذا لم تكن
الوسوسة جبليّة في الإنسان وأنه مهما أقام عليها من سدود (حُلولية) وجسور
(صوفية) لا يمكن أن يقاوم تيارها لما ذكرها الرسول وأبان طريقَ الخلاصِ من
شرّها، وما أمر اللهُ إياه بالاستعاذة من الوسواس الخنّاس ببعيد عمّا نحن
بسبيله.
فهل
يُصغي إلينا فضيلة المُرشد لو أشرنا عليه بتجريد حديثه من هذه الرقائق
(الغزّالية) التي لا تنهض بها حُجّة، وله من كتاب الله وصحيح السنة شواهد
لا ينضب معينها ولا تخلق مع الأيام جدّتها؟