تنبيه الحائر إلى حكم الصلاة في و إلى المقابر
إمّا أن يتحرّى الخروج من الخلاف إن أمكن, وإمّا ينظر ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم فيتمسّك به، فإن فعل ذلك، كانت صلاته صوابا صالحة داخلة في قوله تعالى: ((فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا)) اهـ (من صفة الصلاة للألباني ص43 مكتبة المعارف، الرياض)
فقد كثر الكلام واللغط حول حكم بناء مسجد في المقبرة وحكم الصلاة فيه حيث زعم بعض أنصار عبادة القبور والمشاهد أنّ الصلاة فيه جائزة صحيحة بناءا على أنّ الأصل جواز الصلاة في المقابر!!
ويكفي في الرّد على هذه الوريقات أنّها حملت بين طياتها كلاما لرجل صوفي قبوري رافضي من غلاة الأشاعرة المحرفين لصفات الله تعالى بل يكفي في الردّ على صاحب الوريقات وعلى حافظه المزعوم أنّ لهذا الأخير –أعني الغماري- رسالة بعنوان: ((إحياء المقبور في أدلّة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور)) وعنوان هذه الرسالة ينبّؤك على مضمونها!!
وصدق الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عليه رحمة الله حين قال عن أمثال هذا الغماري: ((والعجب أنّ أكثر من يدّعي العلم ممن هو من هذه الأمّة لا ينكرون ذلك، بل ربّما استحسنوه ورغبّوا في فعله. فلقد اشتدّت غربة الإسلام، وعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنّة بدعة والبدعة سنّة، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير)) (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ص229 مكتبة الصفا الطبعة الأولى سنة 1424 هـ)
ثم تأكدت من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ويخالفهم فيعقيدتهم مخالفة شديدة ويقول البدعة الحسنة وينتصر للمبتدعة ولم يستفد من دعواه الاحتهاد إلا الانتصار للاهواء وأهلها ما يفعل مجتهدوا الشيعة تماما وإن شئت دليلا على ما أقول فحسبك برهانا على ذلك هذا الكتاب " . . . المقبور " فإن قبر كل الأحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي قال به الأئمة الفحول بلا خلاف يعرف بينهم فهو والحق يقال : جريئ ولكن في محاربة الحق كيف لا وهو يرد كلما ذكرناه من الأحاديث واتفاق الأئمة دون أي حجة اللهم إلا اتباع المتشابه منالنصوص كآية الكهف هذه شانه في ذلك شأن المبتدعة في رد النصوص المحكمات بالمتشابه نعوذ بالله من الخذلان))....تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد حاشية ص 57.
ولكن انبرى له العلامة الصوفي المطلع المتضلع من العلوم المعقولة والمنقولة محمد بن رسول البرزنجي , فألف كتاباً لطيفاًسماه: ((التأييد والعون لمدعي إيمان فرعون)) أتى فيه بما يبهر العقول، كما فعل في أبوي النبي ، وقد قرأت الجميع والحمد لله , والتأييد عندي عليهخطه.اهـ فانظر كيف وصف العلامة علي القاري بالمغفّل! ووصف هذا الجامي المبتدع بالشيخ الأكبر (وهو ليس العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله تعالى فتنبّه) ونقل في أحد كتبه شعرا لأحد كفرة الصوفية ولن ينكره بل أتى به في سياق المدح وهو هذا:
وفي النصارى واليهود****وفي الخنازير والقرود
قلت: يكفي في نقض هذه الخزعبلات حكايتها، و الله المستعان.
فهل من كان هذا حاله يستشهد به وبكلامه !! نسأل الله السلامة في الدنيا والآخرة.
قال شيخ الإسلام الثاني الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى:
فصل: ومن أعظم مكايده (أي إبليس)التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله تعالى فتنته: ما أوحاه قديما وحديثا إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور. حتى آل الأمر فيها إلىأن عبد أربابها من دون الله، وعبدت قبورهم، واتخذت أوثانا، وبنيت عليها الهياكل، وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجسادا لها ظل، ثم جعلت أصناما، وعبدت مع الله تعالى...
وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوماً صالحين فى قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوّروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضى الله عنها:"أَنَّ أُمَّ سَلمَةَ رَضىَ اللهُ عَنْهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ تَعالى عليهِ وَآلِه وَسلمَ كَنِيسَة رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، يُقَالُ لهَا: مَارِيَة. فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وآله وسَلّم: أُولِئكَ قَوْمٌ إذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ، أوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولِئكَ شِرَارُ الْخَلقِ عِنْدَ اللهِ تَعالَى".
وفى لفظ آخر فى الصحيحين:"أنَّ أُمَّ حَبيبَةَ وَأُمَّ سَلمَةَ ذَكَرَتَا كنَيِسَةً رَأَيْنَهَا".
فجمع فى هذا الحديث بين التماثيل والقبور، وهذا كان سبب عبادة اللات. فقد رأيت أن سبب عبادة وَدّ ويغوث ويعوق ونسراً واللات إنما كانت من تعظيم قبورهم ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم.
قال شيخنا (يعني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى): "وهذه العلة التى لأجلها نهى الشارع عن اتخاذ المساجد على القبور هى التى أوقعت كثيراً من الأمم إما فى الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك. فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين، وتماثيل يزعمون أنه طلاسم للكواكب ونحو ذلك.
فإن الشرك بقبر الرجل الذى يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر. ولهذا نجد أهل الشرك كثيراً يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدونهم بقلوبهم عبادة لا يفعلونها فى بيوت الله، ولا وقت السحر.
منهم من يسجد لها.
وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء ما لا يرجونه فى المساجد.
فلأجل هذه المفسدة حسم النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مادتها حتى نهى عن الصلاة فى المقبرة مطلقا، وإن لم يقصد المصلى بركة البقعة بصلاته، كما يقصد بصلاته بركة المساجد، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس وغروبها، لأنها أوقات يقصد المشركون الصلاة فيها للشمس.
فنهى أمته عن الصلاة حينئذ، وإن لم يقصد المصلى ما قصده المشركون، سدا للذريعة".
قال (يعني ابن تيمية): وأما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة فى تلك البقعة، فهذا عين المحادّة لله ولرسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله تعالى.
فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن الصلاة عند القبور منهى عنها، وأنه لعن من اتخذها مساجد.
فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد، وبناء المساجد عليها. وقد تواترت النصوص عن النبى عليه الصلاة والسلام بالنهى عن ذلك والتغليظ فيه.
فقد صرح عامة الطوائف بالنهى عن بناء المساجد عليها، متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة.
وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعى بتحريم ذلك.
وطائفة أطلقت الكراهة.
والذى ينبغى أن يحمل على كراهة التحريم إحسانا للظن بالعلماء، وأن لا يظن بهم أن يجوزوا فعل ما تواتر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن فاعله والنهى عنه.
ففى صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلى قال: سَمعتُ رسولَ الله صلى اللهُ تعالى عليهِ وَآله وسلم قبل أنْ يَموتَ بخمْسٍ وَهوَ يقول: "إِنى أبْرَأُ إِلى اللهِ أَنْ يَكُون لِى مِنْكمْ خَلِيلا. فَإنَّ اللهَ تَعَالى قَدِ اتَّخَذَنِى خَلِيلا، كما اتّخَذَ إِبْرَاهِيم خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذا مِنْ أُمَّتىِ خَلِيلاً لاتّخَذْتُ أَبَا بكْرٍ خَليلا ألا وَإِنَّ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ كانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائهِمْ مَسَاجِدَ، أَلا فَلاَ تَتَّخِذوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فإِنى أَنْهَاكُمْ عَنْ ذلِكَ".
وعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لمّا نُزلَ بِرَسُولِ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا فَقَالَ: وَهُوَ كَذلِكَ، لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِوَالنَّصَارَى، اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائهِم مَسَاجِدَ، يُحذرُ مَا صَنَعُوا" متفق عليه.
وفى الصحيحين أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلم قالَ: "قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائهِمْ مَسَاجِدَ".
وفى رواية مسلم: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهِمْ مَسَاجِدَ".
فقد نهى عن اتخاذ القبور مساجد فى آخر حياته، ثم إنه لعن وهو فى السياق من فعل ذلك من أهل الكتاب، ليحذر أمته أن يفعلوا ذلك.
قالت عائشة رضى الله عنها: قال رسولُ الله صلى اللهُ تعالى عليه وآله وسلمَ فى مَرَضِه الَّذِى لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائهِمْ مَسَاجِدَ، وَلَوْلا ذلِكَ لأبْرِزَ قَبُرهُ غَيْرَ أنَّهُ خُشِىَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِداً" متفق عليه.
وقولها: "خُشي" هو بضم الخاء تعليلا لمنع إبراز قبره. وروى الإمام أحمد فى مسنده بإسناد جيد عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إِنَّ مِنْ شِرَار النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجدَ". وفى صحيح البخارى: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه رأى أنس بن مالك يصلى عند قبر، فقال: القبر، القبر.
وهذا يدل على أنه كان من المستقر عند الصحابة رضى الله عنهم ما نهاهم عنه نبيهم من الصلاة عند القبور. وفعل أنس رضى الله عنه لا يدل على اعتقاده جوازه، فإنه لعله لم يره، أو لم يعلم أنه قبر، أو ذهل عنه.
فلما نبهه عمر رضى الله تعالى عنه تنبه.
فروى مسلم فى صحيحه عن أبى مرثد الغنوى رحمه الله أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:"لا تجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلوا إِلَيْهَا".
وفى هذا إبطال قول من زعم أن النهى عن الصلاة فيها لأجل النجاسة، فهذا أبعد شئ عن مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو باطل من عدة أوجه:
منها: أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة، كما يقوله المعللون بالنجاسة.
ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد. ومعلوم قطعاً أن هذا ليس لأجل النجاسة.
فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء، ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق البتة، فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم فهم فى قبورهم طريون.
ومنها: أنه نهى عن الصلاة إليها.
ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.
ومنها: أن فتنة الشرك بالصلاة فى القبور ومشابهة عباد الأوثان أعظم بكثير من مفسدة الصلاة بعد العصر والفجر.
فإذا نهى عن ذلك سدا لذريعة التشبه التى لا تكاد تخطر ببال المصلى، فكيف بهذه الذريعة القريبة التى كثيرا ما تدعو صاحبها إلى الشرك ودعاء الموتى، واستغاثتهم، وطلب الحوائج منهم، واعتقاد أن الصلاة عند قبورهم أفضل منها فى المساجد.
وغير ذلك، مما هو محادة ظاهرة لله ورسوله.
فأين التعليل بنجاسة البقعة من هذه المفسدة؟
ومما يدل على أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قصد منع هذه الأمة من الفتنة بالقبور كما افتتن بها قوم نوح ومن بعدهم.
ومنها: أنه لعن المتخذين عليها المساجد. ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر، فتزول اللعنة، وهو باطل قطعاً.
ومنها: أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "اللهُمَّ لا تجْعَلْ قَبْرِى وَثَناً يُعْبَدُ. اشْتَدَّ غَضبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
فذكره ذلك عقيب قوله: "اللهم لا تجعل قبرى وثنا يعبد" تنبيه منه على سبب لحوق اللعن لهم. وهو توصلهم بذلك إلى أن تصير أوثانا تعبد.
وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مقاصده، جزم جزماً لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهى بصيغتيه: صيغة "لا تفعلوا" وصيغة "إنى أنهاكم" ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عدم فى تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.
فإن هذا وأمثاله من النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه أن يعدل به سواه. فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكاباً لنهيه وغرهم الشيطان. فقال: بل هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين.
وكلما كنتم أشد لها تعظيما، وأشد فيهم غلوا، كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد. ولعمر الله، من هذا الباب بعينه دخل على عبَّاد يغوث ويعوق ونسر، ومنه دخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة.
فجمع المشركون بين الغلو فيهم، والطعن فى طريقتهم وهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم، وإنزالهم التى أنزلهم الله إياها: من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم.
وهذا غاية تعظيمهم وطاعتهم.
(موارد الأمان المنتقى من إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان لابن القيّم ص243-252 دار ابن الجوزي الطبعة الثامنة سنة 1424 بتصرّف)
((فهذا التحذير منه واللعن عن مشابهة أهل الكتاب في بناء المساجد على قبر الرجل الصالح: صريح في النهي عن المشابهة في هذا.
ودليل على الحذر من جنس أعمالهم، حيث لا يؤمن في سائر أعمالهم أن تكون من هذا الجنس.
ثمّ من المعلوم ما ابتلي به كثير من هذه الأمّة من بناء المساجد على القبور واتخاذ القبور مساجد بلا بناء، وكلا الأمرين محرّم ملعون فاعله بالمستفيض من السنّة..))
(إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية ص 128 مكتبة الصفا الطبعة الأولى سنة 1426هـ تحقيق العلامة العثيمين)
وقال ابن حجر في الزواجر: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة ولسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: إتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثانا والطواف بها واستلامها والصلاة إليها ثمّ ساق الأحاديث في ذلك فانظره.
وقال ابن القيّم في ((زاد المعاد)): إنّ الوقف لا يصحّ على غير برّ ولا قربة كما لم يصح وقف هذا المسجد (يعني مسجد الضرار) وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نصّ على ذلك الإمام أحمد وغيره فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر بل أيّهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق فلو وضعا معاً لم يجز ولا تصحّ الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن ذلك ولعنه من اتّخذ القبر مسجدا أو أوقد عليه سراجا. فهذا دين الإسلام الذي بعث به رسوله ونبيه. وغربته بين النّاس كما ترى. اهـ))
(إصلاح المساجد من البدع والعوائد للقاسمي تحقيق ناصر الدين الألباني ص164-165 المكتب الإسلامي الطبعة الخامسة سنة 14.3هـ)
وقال إمام أهل السنّة في المغرب الشيخ العلامة محمّد تقي الدين الهلاليعليه رحمة لله عند تعليقه على حديث النبي صلى الله عليه وسلّم: ((لا تتخذوا قبري عيدا و لا بيوتكم قبورا ، و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني)): في هذا الحديث فوائد : ((الثانية : تشبيه النبي صلى الله عليه وسلّم البيت الذي لا يصلى فيه و لا يقرأ فيه القرآن بالمقبرة دليل مفهومه النهي عن الصلاة و قراءة القرآن في المقابر، و قد مر التصريح بذلك في الأحاديث السابقة)) اهـ (الحسام الماحق لكل مشرك ومنافق للشيخ الهلالي).
وجدت في كتاب "الرَّوض المُربِع" للإمام أحمد بن حنبل أنَّ سبعة أماكن لا تجوز فيها الصلاة، ومن هذه الأماكن المقبرة، وعندنا في بلدنا يصلُّون على الميِّت في المقبرة قبل الدَّفن؛ فما حكم ذلك؟
فأجاب:السائل يقول: وجدتُ في "الرَّوض المُربِع" للإمام أحمد بن حنبل، والكتاب المذكور ليس للإمام أحمد بن حنبل، لكنَّه لأحد مشايخ مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو منصور بن يونُسَ البَهوتيُّ، شرح فيه "زاد المُستنقع" للشيخ موسى بن سالم الحجاويِّ، والكتاب المذكور وأصله كلاهما على المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل عند المتأخِّرين من أصحابه.
ومن المواضع التي ذُكر أنَّ الصلاة لا تصحُّ فيها: المقبرة، وهي مَدفَنُ الموتى.
وقد ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرجه الترمذيُّ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرضُ كلُّها مسجدٌ؛ إلا المقبرة والحمَّام) (رواه الترمذي في "سننه" (1/431-432) من حديث أبي سعيد الخدري، ورواه أبو داود في "سننه" (1/130) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.).
وروى مسلم عن أبي مرثدٍ الغنويِّ رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجلسوا على القبور، ولا تُصلُّوا إليها) (رواه مسلم في "صحيحه" (2/668) من حديث أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه.).
وعلى هذا؛ فإن الصلاة في المقبرة لا تجوز، والصلاة إلى القبور لا تجوز؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيَّنَ أنَّ المقبرة ليست محلاً للصَّلاة، ونهى عن الصَّلاة إلى القبر، والحكمة من ذلك أنَّ الصلاة في المقبرة أو إلى القبر ذريعة إلى الشِّرك، وما كان ذريعة إلى الشِّرك؛ كان محرَّمًا؛ لأنَّ الشارع قد سدَّ كلَّ طريق تؤدِّي إلى الشِّرك، والشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، فيبدأ أولاً في الذَّرائع والوسائل، ثم يبلغ به الغايات.
فلو أنَّ أحدًا من الناس صلَّى صلاة فريضة أو صلاة تطوُّع في مقبرة أو إلى قبر؛ فصلاته غير صحيحة. (المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان ج1/ رقم 117).
وسئل أيضا: يوجد في قريتنا مسجد قديم تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة علمًا بأن هذا المسجد يوجد في قبلته مقبرة قديمة وحديثة، كما أن هناك عدة قبور ملتصقة في قبلة هذا المسجد، وكما هو معلوم أن هذه المقبرة يمر في وسطها طريق للرجال والنساء، وأيضًا طريق للسيارات فما هو الحكم في هذا؟ فأجاب: إذا كانت القبور مفصولة عن المسجد ولم يبن المسجد من أجلها، وإنما بني للصلاة فيه، والمقبرة في مكان منعزل عنهلم يقصد وضع المقبرة عند المسجد، ولم يقصد وضع المسجد عند المقبرة، وإنما كل منهما وضع في مكانه من غير قصد ارتباط بعضهما ببعض، وبينهما فاصل فلا مانع من الصلاة في المسجد؛ لأن هذا المسجد لم يقم على قبور. أما قضية مرور الطريق في وسط المقبرة، فالواجب منع ذلك، وتسوير المقبرة وتجنيب الطريق عنها. (نفس المصدر ج2/رقم 149).
فبان من كلام الشيخ حفظه الله أنّ الأصل في الصلاة في المقابر أنّها حرام ولا تجوز وكذلك في المسجد المبني على القبور أو في المقبرة فهذا يأخذ نفس الحكم، أما إذا بني مسجد ثمّ وضعت بجانبه مقبرة منفصلة عنه بحيث لا يشك من رآه أنّه منفصل عن المقبرة إنفصالا تاما فهذا لا حرج من الصلاة فيه.
وكلام الشيخ الثاني هذا لا ينطبق على مسجد البحث لأنّ هذا الأخير إنّما وضع في المقبرة ومن حوله قبور ولا يفصل بين المقبرة والمسجد شيء!!
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله على الجميع: عن الصلاة في مسجد فيه قبر؟
وأما القبر الذي وضع في المسجد بعد بنائه، فينقل من المسجد.اهـ
وأجاب الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، والشيخ سليمان بن سحمان: مسجد الطائف، الذي في شقه الشمالي قبر ابن عباس، رضي الله عنهما، الصلاة في المسجد، إذا جعل بين القبر وبين المسجد جدار يرفع، يخرج القبر عن مسمى المسجد، فلا تكره الصلاة فيه; وأما القبر، إذا هدمت القبة التي عليه، فيترك على حاله، ولا ينبش، ولكن يزال ما عليه من بناء وغيره، ويسوى حتى يصير كأحد قبور المسلمين.اهـ
بعبارة أخرى: المسجد والمقبرة يشتركان في نفس السور. وقد تقدّم النقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنّ الصلاة في مسجد هذه حاله لاتصح.
((أمّا المقبرة فليست موضعا للصلاة فيها، ولا تجوز الصلاة فيها ولا إليها للأحاديث النّاهية عن ذلك، (ثمّ ذكر بعض الأحاديث السابقة ومنها حديث أبي سعيد الخدري الذي جعلناه في المقدّمة ثمّ قال):
هذه الأحاديث المورودة عموم النّهي فيها يشمل جنس الصلاة سواء كان فرضا، أداءً كانت أو قضاءً، أو نفلاً، مطلقا كان أو مقيّدا، كما تعمّ الصلاة على الميّت سواء كانت على الجنازة أو في قبره، لكن لمّا ورد حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: ((مات رجل وكان رسول الله يعوده فدفنوه بالليل، فلمّا أصبح وأعلموه، فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشقّ عليك، فأتى قبره فصلى عليه، قال: فأمّنا، وصفّنا خلفه، وأنا فيهم وكبّر أربعا)) ومثله عن المرأة السوداء التي كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد الثابت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فخصّ من عموم نهيه عن الصلاة في المقبرة صورة الصلاة عن الميّت في قبره بهذه الأدلّة وبقي عموم النّهي شاملا للصلاة على الجنازة وغيرها، أي بقاء النّهي من حيث عمومه متناولا ما عدا صورة التخصيص، وبهذا الحمع التوفيقي بين الأدلّة يزول الإشكال وترتفع الشبهة، ويعمل بكلّ دليل في موضعه، ذلك لأنّ الإعمال أولى من الإهمال والعلم عند الله.)) (جريدة منابر الهدى ص64 السنة الثانية العدد السابع 1422هـ)
قال الإمام الرباني محمّد علي الشوكاني عليه رحمة الله: (وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أن لا أدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سوّيته...
وفي هذا أعظم دلالة على أنّ تسوية كلّ قبر مشرف بحيث يرتفع عن القدر المشروع واجبة متحتّمة.
فمن إشراف القبور: أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد.
فإنّ ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة... وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصحّحه النسائي وابن حبان من حديث جابر قال: ((نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) أن يجصّص القبر وأن يُبنى عليه وأن يوطأ)) ... وفي هذا التصريح بالنهي عن البناء على القبور، وهو يصدق على ما بني على جوانب حفرة القبر، كما يفعله كثير من النّاس من رفع قبور الموتى ذراعا فما فوقه. لأنّه لا يمكن أن يُجعل نفس القبر مسجدا.
فذلك مما يدل على أنّ المراد بعض ما يقربه مما يتّصل به، ويصدق على من بنى قريبا من جوانب القبر كذلك، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة، على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها.
فإنّ هذا بناء على القبر، لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم، ... ومن زعم أنّ في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو جاهل لا يعرف لغة العرب، ولا يفهم لسانها ولا يدري بما استعملته في كلامها. اهـ (شرح الصدور بتحريم رفع القبور للشوكاني ص13-15 بتصرّف تحقيق العلامة محمد حامد الفقي رحمه الله، دار الوطن للنشر والإعلام)
وذكر طائفة من أصحابنا أنّ وجود القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة. لأنّه لا يتناوله اسم المقبرة.
وإنّما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا. وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق.
بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم: يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور. وهو الصواب.
والمقبرة كل ما قبر فيه.
لا أنّه جمع قبر.
وقال أصحابنا: وكلّ ما دخل في اسم المقبرة ممّا حول القبور لا يصلى فيه فهذا ينبني على أنّ المنع يكون متناولا لتحريم الصلاة عند القبر المنفرد، وفنائه المضاف إليه.
وذكر الآمدي وغيره: أنّه لا تجوز الصلاة فيه، أي المسجد الذي قبلته إلى القبر، حتى يكون بين الحائط والمقبرة حائل آخر. وذكر بعضهم هذا منصوص أحمد.)) (الإختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية للعلامة البعلي رحمه الله ص46 دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1416هـ)
أمّا احتجاج صاحب الوريقات بكون قبر النبي صلى الله عليه وسلّم في مسجده وأنّ الصحابة لم ينكروا ذلك فباطل وهو من التزوير والقلب للحقائق!
فنقول: وما أدراك بذلك؟ وإلا فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (9/75) بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد: " ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا"والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهرا لو كانوا يعلمون في جميع السلف لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك فهم أو على الأقل بعضهم يعلم ذلك يقينا وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ولو لم نقف فيه على نص لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع فكيف يقال : إنهم لم ينكروا ذلك ؟ اللهم غفرا. (بتصرّف من تحذير الساجد للألباني)
" ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد (عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت كما تقدم) فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى يتمكن أحد من استقبال القبر ". ونقل الحافظ ابن رجب في " الفتح " نحوه عن القرطبي كما في " الكوكب " ( 65/91/1 ) وذكر ابن تيمية في " الجواب الباهر " ( ق 9/2 ) : " أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه وسلم أن يتخذ بيته عيدا وقبره وثنا.))(بتصرّف من تحذير الساجد للألباني)
أخي الحبيب ها قد أوضحنا لك بالأدلة القطعية حكم الصلاة في المساجد المبنية على المقابر عموما، فكن من عباد الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ولا تكن ممّن حقّت عليهم كلمة الله: ((سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتّخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا))
هذا وأسأل الله أن يفقهنا في ديننا وأن يجعلنا ممّن يتقون الشبهات إنّه تعالى على كلّ شيء قدير..