الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنّ قول كلمة الحق صار عزيزا بل صار أكثر المنتسبين إلى العلم والفتوى من الحركيين والحزبيين والمتكلمين الرسميين باسم الدين يهابون التصريح بكلمة الحق أمام العامّة والغوغاء فضلاً عن غيرهم من ذوي المهابة والسلطان.
فتولّد من جرّاء هذا الواقع خلطٌ وخبطٌ لدى شريحةٍٍ كبيرة من أبناء هذه الأمّة فوقعوا في حيرة من أمرهم أمام تباين
الفتاوي والآراء الفقهية في المسألة الواحدة. وقديما قيل: لو سكت الجاهلون لقلّ الخلاف.وهذا ما حصل معي اليوم وأنا أركب سيارة الأجرة متّجهاً إلى مقر عملي، فقد قام صاحب السيارة بتشغيل المذياع ليستمع - ويسمعنا- ما صار يُسمّى اليوم بالأناشيد الإسلامية!!
فما إن بدأ النشيد المصحوب بالبطبل والمزمار حتى وقع في أذني قول المنشد = المغنّي: يا أبا الزهراء نحنُ في حماك!!
فقلتُ للسائق: نحنُ في حمى الله تعالى وأمّا أبو الزهراء -بأبي هو وأمّي- فقد قال لابنته التي هي بضعة منه: سليني من مالي ما شئتي لا أُغني عنك من الله شيئاً. وبيّنتُ له أنّ مثل هذا الكلام شركٌ بالله تعالى.
فقال لي: يا أخي هذه أناشيد إسلامية!!
ويكأنّه يُنكرُ عليّ إنكاري على المنشد = المغني التجاءه إلى غير الله تعالى فيما لا يقدرُ عليه إلا الله = الشرك الأكبر!
ثمّ عاد وأكّد لي ما فهمته منه بقوله (يا أخي ما فهمنا والو يقولو الأناشيد
حلال؟! )
أي: لم نفهم شيئاً، كيف يصحُّ ما تقول والعلماء يصرّحون أنّ الأناشيد حلال!؟ وكيف يكون ما يقول هذا الرجل شركاً بالله العظيم وقد كُتب على ظهر الاسطوانة أناشيد إسلامية ؟!!
فهنا وجدتني مضطرا إلى إفهام هذا الرجل بطريقة يتقبلها عقله فقلتُ لهُ :إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم توفي وما ترك شيئاً يقربنا إلى الله إلا ودلّنا عليه ولا ترك شيئاً يباعدنا عن الله إلا وحذّرنا منه وقد حذّرنا صلى الله عليه وسلّم من اتباع سنن اليهود والنّصارى وأخبر أنّ من أمّته من سيتبعهم حذو القدّة بالقدّة؛ وهذه الأناشيد التي يزعمُ البعضُ أنّها تقرب إلى الله تعالى وذلك بزيادة الإيمان الناجمة عن سماع الكلمات الطيّبة التي تحثُّ على مكارم الأخلاق والتفكّر في خلق الله تعالى وغيرها من المعاني الطيّبة الحسنة التي جاء الشرع بها ودعا إليها،
أقول: هذه الأناشيد التي هذه حالها أجاز من أجاز سماعها بحجّة أنّ النّاس -العوام منهم- لا يملّون من سماعها بخلاف المواعظ الخالية من التطريب والآلات الموسيقية كما هو حال دروس العلم ومجالس الوعظ والتذكير كما هي عادة علمائنا علماء السنّة والجماعة.
فهي من جهة تجذب القلوب إليها وتؤثّر فيها أكثر وأشدّ ممّا يصنعه القرآن الكريم كلام الله العظيم (وقد قال بهذا حجّة إسلام الصوفية الغزالي في إحيائه لعلوم الصوفية)
ومن جهة أخرى هي كالبديل عن الأغاني الماجنة الخليعة التي غزت قلوب المسلمين.
وهذه هي عين العلّل التي لأجلها أدخل اليهود والنّصارى الرقص والغناء في عباداتهم وصلواتهم.
فإنّه من المعلوم أنّ السامري حين صنع العجل لبني إسرائيل أخذ يرقص من حوله ويقول هللوا يا بني إسرائيل هللوا يا بني إسرائيل، فأخذ النّاس يتبعونه وهم يرقصون ويهللون ويصفقون وما صنع عدو الله ذلك إلا ليشذ انتباه العوام إليه الذين يطربون لسماع مثل هذه الأصوات.
وكذلك النّصارى فإنّهم كانوا يتلون كتابهم المقدّس = المحرّف بوقار وخشوع فصار الشباب منهم وهواة الطرب والرقص ينفرون من تلاوته = البعد عن تعاليمه.
فلمّا رأت الكنيسة هذا الواقع اضطرّت أن تُدخل الغناء والرقص إلى الكنيسة أثناء تلاوتهم لكتابهم المقدّس.
ومنذ ذلك الحين صارت الكنائس أشبه منها بالديسكو إلى أماكن العبادة.
أفيجدر بنا نحن المسلمون أن نقلّد أعداء الله من المغضوب عليهم والضالين فنسمح لأنفسنا فنجعل ديننا دين لهو وطرب وديسكو؟!! بحجّة أنّ النفوس تطرب للهو وأنّ أكثر المسلمين من هواة الموسيقى والأغاني الخليعة؟!
فكيف إذا انظمّ إلى هذه المخالفة الصريحة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلّم استعمال مثل تلك الكلمات الشركية الألفاظ الكفرية؟!!
فما كان منه إلا أن أغلق المذياع وصمت وصمتنا جميعاً.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يفقهنا في ديننا ويهدينا ويهدي بنا ويجعلنا سبباً لمن اهتدى.
أبو عبد الله غريب الأثري