آخر المواضيع

مرحباً بكم على موقع ((لا صوفية في الإسلام)) تجدون في هذا الموقع : مقالات، صوتيات، كتب، مرئيات، وغيرها من الفوائد والفرائد والكنوز. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

السبت، 13 ديسمبر 2014

:: فتنة الغلو في الصالحين ::

لقد خلق الله عز وجل الثقلين لحكمة واحدة، وهي أن يعبدوه وحده كما قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات أي إلا ليوحدوني ويفردوني بالعبادة.

والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، كالدعاء والاستغاثة والاستعاذة والذبح والنذر والسجود وغير ذلك من أنواعها.

ومن صرف شيئاً من العبادة لغير الله فقد جعله شريكاً لله تعالى، فإن كل ما أمر الله أن يصرف له فلا يجوز صرفه لغيره، فإن فعل فقد وقع في التنديد الذي هو أعظم الكبائر، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ فقال : (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) متفق عليه.

سواء كان هذا الشريك ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجراً أو حجراً أو كوكباً، لأن الله عز وجل يقول {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا } (36) سورة النساء فقوله شيئاً نكرة في سياق النهي فتعم كل شيء، وقال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن وقوله (أحداً) نكرة في سياق النهي فتعم كل أحد سوى الله عز وجل.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في أقوام مختلفي المشارب، متبايني الاعتقادات، منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الصالحين، فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهم بل حكم عليهم جميعاً بالكفر والشرك، واستحل بذلك دماءهم وأموالهم، وسبى نساءهم، فدل أن حكم الجميع واحد.

ولما كان الشرك أعظم الذنوب إذ هو الذنب الذي لا يغفر أبداً لمن لقي الله عليه من غير توبة كما قال تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء وكما قال تعالى { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (72) سورة المائدة، كما أن توحيد الله في العبادة أعظم الواجبات فلذلك كان هو أول ما دعت إليه الرسل جميعاً كما قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن أمره بأن يبدأ بدعوة الناس إلى التوحيد فقال (إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله) الحديث رواه البخاري. وقال لعلي رضي الله عنه حين أرسله إلى خيبر (قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) الحديث متفق عليه، ولهذه المكانة العالية للتوحيد، ولهذه الخطورة العظيمة للشرك فقد عني النبي صلى الله عليه وسلم ببيان التوحيد والشرك أعظم العناية، فإنه مكث في مكة ثلاث عشرة سنة عشر سنوات كلها في بيان التوحيد، وبيان ما يضاده، وثلاث فيها الأمر بالصلاة مع التوحيد.

ولما هاجر إلى المدينة نزلت الشرائع والفرائض، مع العناية التامة بالتوحيد، والتحذير مما يضاده حتى كان عليه الصلاة والسلام وهو في سياق الموت يحذر من اتخاذ قبره مسجداً، ويلعن اليهود والنصارى بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد.

وهذا الدين الخاتم جاء بتقرير التوحيد، والنهي عما يضاده وجاء بسد الذرائع الموصلة إلى الشرك ما لم يأت مثله في الشرائع السابقة، وكان مما حذر منه الكتاب والسنة الغلو في الصالحين من ملائكة وأنبياء وعلماء وزهاد، وكذا الغلو في بعض الجمادات كالأشجار والأحجار وغيرها، لأن هذا الغلو هو مفتاح الشرك الأكبر، وبابه النافذ إليه، وبه ضل قوم نوح ومن بعدهم، وقد سبق في علم الله أن هذا واقع في هذه الأمة كما وقعت فيه الأمم من قبلها، فلذا كثر التحذير منه، ومع ذلك وقع فيه كثير من المنتسبين للإسلام في القديم والحديث.

درجات الغلو:

للغلو درجتان : الأولى غلو مخرج من الملة: 

وهو ما بلغ بصاحبه إلى تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله كمن ينسب إلى بعض الخلق أنه يعلم الغيب، أو أنه على كل شيء قدير، أو أنه يتصرف في الكون بحياة أو موت أو نفع أو ضر استقلالاً بقدرته هو ومشيئته، وهذا يوجد عند كثير من الغلاة من الروافض والصوفية وأشباههم.

ومن صوره أيضاً صرف العبادة لغير الله عز وجل كدعاء الأولياء، والاستغاثة بهم، والذبح لهم، والنذر لهم، والطواف بقبورهم تقرباً إليهم. لأنها عبادات والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله ومن صرفها لغير الله فقد أشرك والعياذ بالله.

وهذا وجد قديماً ولا يزال إلى يومنا هذا، ومن أمثلته الشنيعة ما ذكره حسين بن محمد النعمي أن امرأة كف بصرها فنادت وليها: أما الله فقد صنع ما ترى ولم يبق إلا حسبك.

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ : وحدثني سعد بن عبد الله بن سرور الهاشمي رحمه الله أن بعض المغاربة قدموا مصر يريدون الحج فذهبوا إلى الضريح المنسوب إلى الحسين رضي الله عنه بالقاهرة فاستقبلوا القبر وأحرموا ووقفوا وركعوا وسجدوا لصاحب القبر حتى أنكر عليهم سدنة المشهد وبعض الحاضرين فقالوا: هذا محبة في سيدنا الحسين". 

وهكذا يوجد في يومنا هذا من يستغيث بالحسين والبدوي وعبد القادر. والله لقد كان مشركوا الجاهلية الأولى خيراً من هؤلاء وأخف شركاً وأحسن عقولاً فقد كانوا عند الشدائد لا يدعون إلا الله ولا يستغيثون بأحد إلا الله، كما قال الله تعالى عنهم {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (65) سورة العنكبوت. 

الدرجة الثانية: ما كان وسيلة إلى الشرك وذريعة إليه:

ومنه رفع قبور الأولياء، وبناء القباب و المساجد عليها، أو دفن الأولياء في المساجد، وشد الرحال إليهم. والتوسل إلى الله عز وجل بجاههم والحلف بهم مع الاعتقاد أن الحلف بهم دون الحلف بالله أما إن قام بقلب الحالف أن الحلف بغير الله كالحلف بالله أو أعظم فهذا شرك أكبر والله المستعان.

خطر الغلو في الصالحين:

الغلو في الصالحين هو سبب أول شرك وقع في بني آدم كما حصل للقوم الذين بعث فيهم نوح عليه الصلاة والسلام في الخبر المشهور، حيث غلوا في وَد، وسُواع، ويغوث، ويَعوْق، ونَسْر، وكانوا قوماً صالحين، فلما ماتوا صوروا لهم تماثيل حتى يتذكروهم فيعملوا مثل عملهم، ثم تقادم الزمان، ونسي العلم، ومات أولئك فجاء من بعدهم فأوحى لهم الشيطان أن اعبدوها من دون الله عز وجل فعبدوها من دون الله فوقع أول شرك في بني آدم فأرسل الله نوحاً عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده، ودعاهم إلى الكفر بعبادة ما سواه ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأهلك الله عز وجل كفار قومه، ونجى نوحاً ومن آمن معه وما آمن معه إلا قليل، وقد ورثت العرب تلك الأصنام وبقيت فيهم حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فأهلكها الله على يديه صلوات الله وسلامه عليه.

ولخطورة الغلو في الصالحين وشدة الفتنة بهم جاء التحذير منه في الكتاب والسنة وفي كلام السلف في نصوص كثيرة ومنها:
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاريوقوله: (لا تطروني) بضم أوله أي التاء والإطراء المدح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه

2- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم 

3- وعن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة) متفق عليه 

4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). رواه البخاري 

5- وعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نُزِلَ برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه

6- وعن علي بن عمر عن أبيه عن علي بن الحسين أنه _ أي علي بن الحسين _ رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فدعاه فقال ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم) رواه ابن أبي شيبة ، وحسنه السخاوي. 

7- و عن نافع رحمه الله قال: بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها قال فأمر بها فقطعت. رواه ابن أبي شيبة ، وصححه الألباني في فضائل الشام 

8- وعن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لإيلاف قريش). فلما قضى حجه ورجع والناس يبتدرون فقال: ما هذا؟ فقالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل، ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل. رواه ابن أبي شيبة. وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية. 

9- وقال الإمام محمد بن وضاح (وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأُحداً ، قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعد فعل سفيان قال ابن وضاح فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين فقد قال بعض من مضى كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى ومتحبب إليه بما يبغضه عليه ومتقرب إليه بما يبعده منه وكل بدعة عليها زينة وبهجة). 

فمن تأمل هذه النصوص عرف أن الغلو في الأولياء والصالحين والأضرحة ليس من الدين في شيء، بل دين الله منه براء، ومحبة الصالحين إنما تكون بالاقتداء بهم في الخير لا بجعلهم أنداداً لله تعالى، ولا بأن يفعل بهم ما يكون وسيلة إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله كما هو الحاصل اليوم في كثير من بلاد العالم الإسلامي.

ومما يبعث على الأسى زهد كثير من أهل العلم في الجامعات والمعاهد الدينية، والمشتغلين بالدعوة إلى الله، من الأفراد والجماعات في بيان حقيقة توحيد العبادة، وبيان ما يضادها، وتقصيرهم في تحذير الأمة من الغلو في الصالحين وأصحاب الأضرحة، في الوقت الذي يكثر فيه المفتونون بها. 

إن على الدعاة إلى الله أن يترسموا خطى محمد صلى الله عليه وسلم والنبيين من قبله في الدعوة إلى الله فقد قص الله عنهم جميعاً أن أساس دعوتهم كانت الدعوة إلى توحيد الله وترك الإشراك به كما قال تعالى{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل.

وكما قال سبحانه{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء. وقصّ الله تعالى عن جملة من رسله أنهم دعوا أقوامهم فقال كل منهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غيره}.

وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس حقيقة دعوته في قوله تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف.
ونسأل الله أن يقيض لبلاد المسلمين التي ليس فيها من يدعو إلى التوحيد من أهل العلم من يقوم بهذا الواجب أحسن قيام وأتمه، وأن يؤيدهم بولاة عدل يعينونهم على نشر الحق ودحر الباطل كما نسأله أن يخلص بلاد المسلمين من مظاهر الشرك والوثنية إنه سميع مجيب

علي بن يحيى الحدادي

:: نبذة عن مؤســس جمــاعة التبليغ ::

بسم الله الرحمن الرحيم 

قلبت صفحات كتاب (جماعة التبليغ في شبه القارة الهندية) للدكتور سيد طالب الرحمن وفقه الله واستخرجت منه بعض المعلومات المتعلقة بمؤسس جماعة التبليغ ولخصتها في الصفحات التالية و من محاسن المؤلف أنه اعتمد كتب مشايخ الجماعة في النقل عنهم بلا واسطة وهذا أقرب للعدل وأقوى للحجة.

وتبيين حاله للقراء ليس من باب الغيبة المذمومة ولكنه من باب النصيحة المحمودة لأن القدوة لها أثر عظيم، فإذا اقتدى المسلم بمن كان منحرف الاعتقاد زائغ الطريقة كان ذلك من أسباب زيغه وهلاكه وكفاه زيغاً محبة أهل البدع وموالاتهم والذب عنهم وتزكيتهم. 

ومما يؤسف له أن التقيت في بلادي (المملكة العربية السعودية) حرسها الله من يزكيه ويمدحه ويغضب له ويتخذه إماماً وإذا كان هذا في هذا البلد _ مع تقرير دراسة العقيدة السلفية رسمياً وكثرة أئمة السنة وظهور مذهب السلف _ فما الظن في غيره من البلاد؟؟ 

لا أطيل في التمهيد وأدع القارئ وهذه الأسطر سائلاً الله جل جلاله أن ينفع بها إنه جواد كريم. 


نبذة عن مؤســس جمــاعة التبليغ
محمد إلياس الكاندهلوي 
 1302هـ - 1363هـ

 1- اسمه ونسبه:  محمد إلياس بن محمد إسماعيل الديوبندي الجشتي الكاندهلوي ثم الدهلوي. 

الديوبندي: نسبة إلى مدرسة دار العلوم بديوبند. وهي مدرسة تتبنى العقيدة الماتريدية التي تعرّف الإيمان بأنه اعتقاد القلب، وتنكر زيادة الإيمان ونقصانه، وتنفي علو الله على عرشه. ص (20)
كما تتبنى التعصب للمذهب الحنفي التعصب الذي يعني الاستمساك بالمذهب ولو خالف أدلة الكتاب والسنة.
ويزعم الديوبنديون أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أسس هذه المدرسة بل شطحوا بعيداً فزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي إليها أحياناً هو وبعض أصحابه لتدقيق حساباتها ؟!! ص (19-20)
الجشتية: نسبة إلى طريقة صوفية هندية تنسب إلى (خواجة معين الدين الجشتي). ومن عجائب الجشتي هذا أنه اختبر شخصاً أراد أن يكون مريداً عنده بأن يقول (لا إله إلا الله جشتي رسول الله)  فقالها فبايعه ثم أخبره أنه أمره بذلك اختبارا لطاعته وانقياده. ص (219)
الكاندهلوي: نسبة إلى موطنه كاندهلة.
الدهلوي: نسبة إلى دهلي عاصمة الهند، وتسمى اليوم (دلهي).

2- التصوف عند محمد إلياس:
 تقدم أنه جشتي الطريقة،وقد بايع الشيخ رشيد الكنكوهي _ (وهو القائل: وأحلف بالله أنا لست بشيء إلا أن الهداية والنجاة في هذا الزمان تتوقف على اتباعي) ص (60) _ ثم جدد البيعة على يد الشيخ خليل السهارنفوري، واستفاض من الشيخ عبد الرحيم الرايء فوري والشيخ أشرف علي التهانوي فيوضاً كثيرة؟!!. ص (21). 

3- كيف ابتكر محمد إلياس فكرة الخروج التبليغي؟:يقول عن نفسه: (أُمرت بالقيام بهذا الأمر أثناء إقامتي بالمدينة المنورة وقيل لي سوف نستعملك . نكلفك بعمل). ص (23)
فهل كان نبياً يوحى إليه؟!! 
ويقول (ألقي في روعي تفسير الآية المذكورة _ أي آية كنتم خير أمة أخرجت للناس _ وذلك أن مثلكم مثل الأنبياء أظهرتم للناس وعبر عن هذا المعنى بكلمة (أخرجت) إشارة إلى أنكم ستخرجون من دار إلى دار ومن بيت إلى بيت لا تستقرون في مكان) ص (27)
وتفسير (أخرجت) بالخروج التبليغي هو من تفسير القرآن بالرأي المحض الذي ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا قول صحابي ولا لغة بل المقصود أٌظهرت وأٌبرزت للناس كما يعرف ذلك بالرجوع إلى كتب التفسير المعتبرة.
وجعل المنامات والخواطر مصدرا لمعرفة معاني القرآن مزلق خطير يؤدي إلى إفساد الشريعة.
والتعبير بالإلقاء في الروع هو مضاهاة لأحد أنواع الوحي وصوره التي يجيء بها الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 

 4- مصدر الأصول الستة (الصفات الست) حسب مزاعم محمد إلياس:قال محمد إلياس: (أنا لم أضع ضوابط هذه الجماعة من قبلي ولا بإرادتي بل أعطيتها وأمرت بالعمل طبقاً لها) ص (43)
فهل كان نبياً يوحى إليه ويؤمر ؟!!
وقد ذكر بعض الباحثين أن الأصول الستة أول من اخترعها بديع الزمان النورسي التركي الصوفي  المتوفي سنة 1379هـ لا محمد إلياس وإنما أخذها محمد إلياس عنه.   

5- محمد إلياس ونسبته الخروج التبليغي إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
يقول (إنه كان لزاماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من بيته ويخرج الناس من بيوتهم في سبيل التبليغ) ص(66)
والسؤال أين الدليل على ذلك؟ .
ثم إذا كانت هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم فلماذا يقول في مواضع أنه ألهم هذه الفكرة في منام وفي مواضع أنها ألقيت في روعه؟!!. 

6- محمد إلياس ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم الفرح بالخروج التبليغي:يقول (وتعرض أعمال الأمة على الرسول صلى الله عليه وسلم وكلما ازداد تشجمك في سبيل التبليغ ازداد فرحه بك  ويرتاح وينبسط لنصبك في قبره المبارك) ص (110)
أين الدليل على ذلك ؟؟! وهل يفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بالبدعة؟

7- محمد إلياس وقصيدة البردة:
يقول: ( قصيدة البردة عندنا من المقرر قراءته على العلماء) ص (139) وهي قصيدة فيها الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ما يبلغ إلى درجة الشرك بالله تعالى قال العلامة المصلح السلفي تقي الدين الهلالي (وأما البردة والهمزية ففيهما من الشرك والضلال ما لا يرتضيه إلا كل مشرك دجال) ص (142)

8- دعوته أتباعه إلى قراءة القرآن وإهداء ثوابه إلى التهانوي وكذلك إهداء ثواب الخروج إليه فإنه أكثر ثواباً:
كتب محمد إلياس إلى رجال العمل من ميوات ينصحهم (اهتموا أشد الاهتمام بإهداء الثواب إلى حضرة التهانوي ، التزموا إيصال الثواب إليه بواسطة كافة الأعمال الخيرية وأكثروا من ختمات القرآن الكريم ولا يلزم أن تقرؤوا مجتمعين بل الأفضل أن يقرأ كل رجل منفرداً. وأكثروا من إهداء ثواب الخروج في سبيل التبليغ فإنه أكثر ثواباً وأجزل أجراً) ص (228)
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إلى إهداء ثواب القراءة ولا الخروج في سبيل التبليغ إلى الموتى وإنما أرشد إلى الدعاء لهم والصدقة عنهم كما أذن في الحج والعمرة عن الميت والعاجز عجزاً مستديماً وأمر بقضاء الصوم عمن مات وعليه صيام. 

9- فيوض النبوة تنزل عليه عند الذكر؟؟:قال عنه بعض أتباعه :
كان الشيخ إلياس يشعر بشيء من الاستثقال كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر به عند نزول الوحي فأخبر شيخه الكنكوهي فأخذته الرعدة وقال قال الشيخ النانوتي: ما آخذ السبحة إلا وتثقل علي كأن حبوبها أحجار ثقيلة ويعتري القلب واللسان نوع من الجمود فأجابه الشيخ الحاج المكي قائلاً: (هذا من فيوض النبوة على قلبك وهذا الثقل هو الذي يعتري من يتلقى الوحي ، إن الله تعالى سوف ينيط بك عمل الأنبياء)  [بتصرف في الترتيب انظر ص (260)].
فهل تريد جماعة التبليغ إثبات نبوة محمد إلياس؟ . 

10 _ مدار السعادة والنجاة عند محمد إلياس هو الاجتهاد في الخروج:
يقول محمد إلياس فيما نقله عنه أبو الحسن الندوي _وهو أحد أساطين التبليغ_ فيما كتبه إلى أصدقائه : (إن المجتهد في الدعوة والتبليغ يكون منضر الوجه عند موته ويلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سعيد) ص (276) .
أرأيت هذا المجتهد في الدعوة والتبليغ لو كان غارقاً في البدع أو متلطخاً بما هو أكبر من ذلك أيلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سعيد ؟ ثم إن هذا إخبار عن أمر غيبي فأين دليله من الكتاب والسنة؟ 

11- محمد إلياس يقرر إمكان توفيق جماعة التبليغ لما عجز عنه أولو العزم من الرسل والعياذ بالله:
يقول : (وإذا أراد الله إتمام أمر وفق الضعفاء أمثالكم لما عجز عنه أولو العزم من الرسل ..) ص (309) 

12- محمد إلياس في زعم ولده يوزع النور من قبره على مريديه:
قال محمد يوسف بن محمد إلياس: (إن صاحب هذا القبر _ يعني أباه _ يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به) ص (334) فهل التربية الصحيحة تكون على التعلق بالله تعالى أم على التعلق بأصحاب القبور واستمداد الفيوض منهم والعياذ بالله؟.
وبعد:
فكيف يليق بمن يدعي السنة وسلوك منهاج السلف الصالح أن يتخذ منه إماماً وقدوة يحبه ويتولاه وينتمي إليه وإلى جماعته وطريقته. يوالي عليه ويعادي عليه ويغضب حمية إذا سمع من ينتقده بحق ويبين ما عنده من الشطحات والانحرافات عن النهج القويم والطريق المستقيم.
ثم إذا كان هذا حال الإمام المقتدى به فكيف سيكون حال أتباعه وخلفه؟ وكيف سيكون حال جهال وعوام أهل السنة الذين يجرجرون من أطراف الدنيا _ رجالاً ونساءً _ للخروج مع جماعة التبليغ والتعرف على شيوخها ومخالطة أفرادها مع كل ما عندهم من الانحرافات العقدية؟
إن النتيجة واضحة وهي التلطخ بالبدع ومحبة أهلها وألفتها والنفور عن السنة وعداوة أهلها عاجلاً أم آجلاً ما دام على ذلك والله أعلم. 


  علي بن يحيى الحدادي

:: من فتاوى الباقوري المخالفة للشرع ::

المقال منشور في مجلة التوحيد المصرية وهو موجود في المجلد الخامس العدد 7

باب السنة
يقدمه
فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة

أسامة بن زيد يقول: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) متفق عليه.

والشيخ الباقوري يقول: للمرأة أن ترقص وأن تغني، ورؤية الرجال لها عبادة.

لم يكن مقدم حلقة ندوة العلماء بالتليفزيون المصري - الأستاذ عبد الصبور شاهين - منصفًا، حين استضاف الشيخ الباقوري، في إحدى حلقات هذه الندوة، يستفتيه في أمور استبانت حرمتها، فالحلال بين والحرام بين. ذلك لأن الشيخ الباقوري لا يرجع في فتواه إلى الشرع الحكيم، ولكنه يعتمد فيها على رأيه متأثرًا ببيئة العصر الحاضر التي شاع فيها اختلاط الجنس، فتارة تأتي فتاواه إرضاء لنساء العصر اللائي استبحن حرمات اللَّه، وتارة تنزل فتواه على قلوب من يحاربون دين اللَّه من أهل الرقص والغناء.

وفي إحدى هذه الندوات، أعلن الشيخ الباقوري رأيه بصراحة في رقص المرأة، ومزاولتها للغناء، واختلاطها بالرجال. وكان مما أخذ على هذا العالم الذي درج في الوظائف الدينية حتى وصل إلى أعلاها: انحراف في فتواه التي جانبت الصواب، وخاصة لأنها لا تستند إلى دليل، بل تصطدم صراحة بنص القرآن العظيم، وسنة نبي الهدى عليه الصلاة والسلام.

أن تصرفات الشيخ الباقوري تجعل رجل الشارع لا يطمئن إلى فتواه، وبرهان ذلك أنه حينما كان وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر، ضرب المثل السيئ لعلماء الدين: فاستباح لنفسه أن يقيم حفل عرس لإحدى بناته بدار الأوبرا، قبل أن تصاب بالحريق الذي دمرها. وضم هذا الحفل نساء كاسيات عاريات، ومغنيات وراقصات متبرجات، ونشرت المجلات المصورة حينذاك صورًا متعددة لهذا العالم في أوضاع غير كريمة بين النساء لا تناسب العلماء ولا المسلمين الغيورين على دينهم، وكان هو يشغل مركزًا دينيًا خلع عليه وجاهة يعتمد عليها فتاواه. وهو بهذا الحفل الذي أقامه بدار الأوبرا، يزداد جرأة في فتاوى بعيدة عن شريعة اللَّه.

إن الذي يفتي بإباحة تبرج النساء، واختلاط الرجال بالنساء، قد أحل حرامًا، وتحدى قول العزيز الحكيم: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإسْلاَمِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الصف: 7].

لقد طلع علينا في ندوة العلماء التليفزيونية، بفتاوى بعيدة كل البعد عن الإسلام، من شأنها أن تدفع إلى الرذيلة، وتضع الفضيلة تحت الأقدام. ومن هذه الفتاوى ما يلي:

1 - رقص المرأة جائز، وغناؤها جائز، ورؤية الرجل للمرأة عبادة!! ..

2 - مسح المرأة على الباروكة جائز، بدلاً من المسح على رأسها في الوضوء.

3 - جاء في مجلة الاعتصام بعدد ربيع الآخر 1397 أنه قال لأحد الممثلين في حديث نشرته مجلة الجيل الجديد: إن للمرأة أن تصلي حاسرة الرأس وبملابسها القصيرة، كما أنه يبيح للخاطب أن يختلط لخطيبته، ويقبلها، ويعانقها، قبل عقد الزواج، ليتأكد من صلاحيتها.

إن مقدم البرنامج عبد الصبور شاهين يعلم حق العلم أن تحليل الحرام يوقع صاحبه في كفر باللَّه، فكيف يعمل على أن تشيع هذه الأباطيل بين جمهور المسلمين؟ فإن من لديه أثارة من علم لا يقبل هذه الفتاوى التي ما يراد بها إلا إرضاء أهل الهوى على حساب الدين.

إن الشيخ الباقوري لم يترك وسيلة من وسائل الانحلال إلا سكت عنها، وأحاديثه في المجلات النسوية كثيرة مشهورة، وقد شهدت عليه أنه يقف بجانب أولئك الذين يدعون إلى أن يكون دينهم مستمدًا من الآراء، ومبنيًا على الأهواء.

هل فاته أن الشيطان إذا تحير في فتنة عبد من الأتقياء: صوب إليه امرأة، وأن كيدهن عظيم؟

وهل غاب عنه قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم -: ((ما اختلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))؟

إنا نخشى أن تؤثر هذه الفتوى البعيدة عن الحق والصواب، في محيط قوم لهم نشاط ملحوظ في الدعوة إلى الخروج عن الإنسانية، ونبذ الدين، هذا النشاط الذي يتجلى في المراقص والسهرات الحمراء، إذ تجد هناك من الفتيات العاريات من يأخذ بخصرها وتأخذ بخصرة من الرجال أو الشبان، ويرقصان معًا أمام الناظرين، وفي ذلك تتلاصق البطون والصدور مع حركات هذا الرقص اللعين.

إن الشيخ الباقوري يرى بنفسه، ويعلم أن المرأة في هذا العصر قد تعري صدرها، وصار وجهها بما غيرت فيه من خلق اللَّه معرضًا للناظرين، كما تفننت في كل وسائل إغراء الجنس، حتى صارت مصيبتنا في النساء مصيبة تتفتت لها الأكباد حسرات وحسرات.

إن هذه الفتاوى تدعو إلى أن يتساهل من رق دينه، وانحطت غيرته، فيرضى عن تبرج النساء وعريهن الذي لا يخلو منه مكتب ولا شارع ولا مكان.

* * *

ألا فليتق اللَّه الشيخ الباقوري، وليحذر ما رواه الدارمي عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما أخشى على أمتي الأئمة المضلين)).

والنصيحة الخالصة له ألا يزج بنفسه في فتاوى تعتمد على رأيه، فمن أعجب برأيه ضل {وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. وليسمع قول اللَّه عز وجل: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116، 117]، وقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [الزمر: 32].

نعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونسأله الهداية والتوفيق.


محمد على عبد الرحيم

:: سلسلة ردود على الشبهات العقدية ﻟ «شمس الدين بوروبي» ::



الشبهة الأولى: صفة النزول

الحمدُ لله وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى أصحابه الأخيار، وعلى أتباعهم الأبرار بإحسانٍ إلى يوم الدِّين في دار القرار، أمَّا بعد:
فإنَّ تطهيرَ دين الله ممَّا أحدثه المُحدِثون والتصدِّيَ للباغين عليه ودَفْعَ عدوانهم درءًا لفسادهم وتنقيةً للشرع من سُوئهم بالحجَّة والبيان حتمٌ لازمٌ، وهو من مفاخر الدعوة السلفية المبنيَّة على العدل والرحمة، فبقيامهم بهذه الفريضة الشريفة يَزْهَق الباطلُ ويرتدع أهلُه المفسدون للقلوب مصداقًا لقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [فاطر: ٤٩].
قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ومثل أئمَّة البدع من أهل المقالات المخالِفة للكتاب والسنَّة أو العبادات المخالِفة للكتاب والسنَّة؛ فإنَّ بيانَ حالهم وتحذيرَ الأمَّة منهم واجبٌ باتِّفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبلٍ: الرجل يصوم ويصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلَّم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبيَّن أنَّ نَفْع هذا عامٌّ للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشِرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا مَن يقيمه اللهُ لدَفْعِ ضرر هؤلاء لَفَسَد الدينُ وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب؛ فإنَّ هؤلاء إذا استولَوْا لم يُفسدوا القلوبَ وما فيها من الدين إلاَّ تبعًا، وأمَّا أولئك فهُم يُفسدون القلوبَ ابتداءً»(١).
وممَّن نصَّب نفْسَه -من غير طلبٍ- مناصرًا للباطل وأهله، منافحًا عن البدعة وأصحابها يوالي عليها ويعادي، جاهدًا في تلميع صورته البشعة، معاديًا للحقِّ والسائرين على منهاجه، حتى رضي لنفسه الانضواءَ في ركب الجعدِ بن درهمٍ وجهمِ بن صفوانَ وبشرٍ المرِّيسيِّ وأضرابهم، ممَّن انغمسوا في ظلماتٍ بعضُها فوق بعضٍ أعْمَتْهم عن الهدى وصدَّتهم عن الرشاد، يمارون بالباطل ليُدحِضوا به الحقَّ، ويتَّبعون الظنَّ وما تهوى الأنفس، اقترفوا الضلالَ وارتضَوْه بديلاً عن الهدى، فأصابهم الصغارُ والهوانُ بما كانوا يمكرون، المدعُوُّ: «شمس الدين بوروبي» -هداه الله-، ذاك الذي لم يظهر الفألُ الحسن مِن اسمه على نحو ما قال الشاعر:
تَسَمَّى بِنُورِ الدِّينِ وَهْوَ ظَلاَمُهُ * وَهَذَا بِشَمْسِ الدِّينِ وَهْوَ لَهُ خَسْفُ

وَذَا شَرَفَ الإِسْلاَمِ يَدْعُوهُ قَوْمُهُ * وَقَدْ نَالَهُمْ مِنْ جَوْرِهِ كُلَّهُمْ عَسْفُ

رُوَيْدَكَ يَا مِسْكِينُ سَوْفَ تَرَى غَدًا * إِذَا نُصِبَ المِيزَانُ وَانْتَشَرَ الصُّحْفُ

بِمَاذَا تُسَمَّى هَلْ سَعِيدٌ وَحَبَّذَا * أَوْ اسْمَ شَقِيٍّ بِئْسَ ذَا ذَلِكَ الوَصْفُ

جعل الله في صدره ضيقًا وفي نفسه حرجًا من الحقِّ ألزمَتَاه غُصَّةً وحَنَقًا بالدعوة السلفيةِ لقوَّةِ استحكامها في قلوب المدعوِّين، فراح -بعد أن انسلخ من الورع والتقى- يفتري عليها الأكاذيب، ويفتِّش عن مثالبها في كتبِ مَن سبقه ومقالاتِهم طعنًا وحقدًا ليظفر بها وينسبها لنفسه تشبُّعًا بما لم يُعط حتى أضحى عليه أرديةٌ من الزور، يحاكي أقوالَ المنحرفين مِن غير تحفُّظٍ أو تثبُّتٍ أو توثيقٍ، فمثله كمثل «الفرُّوج سمع الدِّيَكَةَ تصيح فصاح بصياحها»(٢).
ولله درُّ القائل:
دَخِيلٌ فِي الكِتَابَةِ يَدَّعِيهَا * كَدَعْوَى آلِ حَرْبٍ فِي زِيَادِ

يُشَبَّهُ ثَوْبُهُ لِلْمَحْوِ فِيهِ * إِذَا أَبْصَرْتَهُ ثَوْبَ الحِدَادِ

فَدَعْ عَنْكَ الكِتَابَةَ لَسْتَ مِنْهَا * وَلَوْ لَطَّخْتَ وَجْهَكَ بِالمِدَادِ(٣)

ومِن صياحه ما ألقاه في محاضرةٍ بالمغرب -حفظها الله منه ومِن كلِّ مبتدعٍ- صوَّر خلالها الصوفيةَ في صورة أصحابِ الحقِّ المتَّهَمِين بالباطل -وهم أهله وأحقُّ به-، وأجْلَب بخيله ورجِلِه على أهل الحقِّ فلطَّخ عقيدتَهم السليمة بتُرَّهاتٍ وتمويهاتٍ وتدليساتٍ لا يُحسنها إلاَّ المفلسون في العلم والفهم، تقمَّمَها مِن مراجع الرافضة وكتب فرقة الأحباش ومؤلَّفات الكوثريِّ والغماريِّ والسقَّاف وأضرابهم من المبتدعة الشانئين، فنال بجدارةٍ لقب «خسف الدين وظلامه»، وكأنَّّ شمس الدين -حقًّا لا كذبًا- ابنَ القيِّم -رحمه الله- يُبْصِرُه أمامه فيصف الغشاوةَ التي تعلوه والعَشَى الذي يكسوه قائلاً: «فإنَّ المُعْرِض عمَّا بعث الله تعالى به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم مِن الهدى ودين الحقِّ يتقلَّب في خمس ظلماتٍ: قولُه ظلمةٌ، وعمله ظلمةٌ، ومدخله ظلمةٌ، ومخرجه ظلمةٌ، ومصيره إلى الظلمة، فقلبُه مظلمٌ، ووجهه مظلمٌ، وكلامه مظلمٌ، وحاله مظلمةٌ، وإذا قابلت بصيرتُه الخفَّاشية ما بعث الله به محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم من النور جدَّ في الهرب منه وكاد نورُه يَخْطَف بصرَه، فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسبُ وأَوْلى، كما قيل:
خَفَافِيشُ أَعْشَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ * وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ

فإذا جاء إلى زُبالة الأفكار ونُحاتة الأذهان؛ جال وصال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة؛ انحجر في أَحْجِرة الحشرات»(٤).
وقد رأت إدارة موقع الشيخ أبي عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- أن تتناول جملةً مِن الشبهات المُغْرِضة التي ألقاها ذاك المَفْتونُ في شكل سلسلة ردودٍ علميةٍ، تُفْرَد كلُّ شبهةٍ بردٍّ علميٍّ يزيل الشبهةَ ويقمع البدعةَ، وذلك في فصولٍ متلاحقةٍ، إسهامًا في التطهير مِن أدران الضلالات والبدع، وكشفًا لصنيع زيفه وانحرافه، وقد كان التركيز في هذه الردود على جانبِ بيان تطاوُله على مَن انعقدت لهم الإمامةُ في الدين، وأجرى اللهُ لهم المحبَّةَ في القلوب، وأبْقَتْ سيرتُهم العطرة الذِّكْرَ الحسَنَ على الألسنة، فأبى المفلس إلاَّ أن يلوِّث عبقَهم ويقترفَ في حقِّهم ما يحتقبه أوزارًا يبوء بإثمها وإثمِ مَن يُضِلُّهم ويفتنهم في دينهم.
سائلين اللهَ التوفيق والسداد والرشاد في الأقوال والأعمال

الردُّ على شبهة تأويل الإمام مالكٍ -رحمه الله- لصفة النزول

قال المدعوُّ شمس الدين بوروبي -هداه الله-: «ثمَّ ينزل ربُّنا في ثلث الليل الأخير عندهم نزولاً حقيقيًّا مِن مكانٍ أعلى إلى مكانٍ أسفل، بينما سئل إمامنا مالكٌ رضي الله عنه وأرضاه، واذهب إلى «التمهيد» لابن عبد البرِّ حيث روى الروايةَ بالسند الصحيح: سئل مالكٌ عن معنى النزول فقال: ينزل أمرُه، إمام السلفية الذي هو الإمام مالكٌ يقول: ينزل أمرُه، ولكنَّ الحشوية الذين يزعمون التمسلف يقولون: ينزل حقيقةً كنزولك أنت من شجرةٍ أو من الطابق العلويِّ أو من المنبر».
الجواب:

اعلَمْ أنَّ المنصوص في العقيدة التي نُقلت عن الإمام مالكٍ -رحمه الله- في صفات الله سبحانه تطابُقُها مع مذهب أهل الحديث أتباعِ السلف الصالح مِن إمرارها كما جاءت مِن غير تأويلٍ ولا تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ، والتحذير من مسلك المخالفين لهذا الأصل.
قال الوليد بن مسلمٍ -رحمه الله-: «سألت الأوزاعيَّ، وسفيان الثوريَّ، ومالكَ بنَ أنسٍ، والليثَ بن سعدٍ، عن الأحاديث التي فيها الصفات، فكلُّهم قال: أَمِرُّوها كما جاءت بلا تفسيرٍ»(٥).
وممَّا جاء عنه -رحمه الله- في ذمِّ ما يضادُّ منهجَ السلف ويناقضه قولُه: «مُحالٌ أن يُظَنَّ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه علَّم أمَّتَه الاستنجاءَ ولم يعلِّمْهم التوحيدَ»(٦).
وقال أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن إسحاق بن خويز منداد المالكيُّ -رحمه الله- في كتاب «الشهادات» في تأويل قول مالكٍ -رحمه الله-: «لا تجوز شهادة أهل البدع وأهل الأهواء»: «أهل الأهواء عند مالكٍ وسائرِ أصحابنا هم أهلُ الكلام، فكلُّ متكلِّمٍ فهو مِن أهل الأهواء والبدع: أشعريًّا كان أو غيرَ أشعريٍّ، ولا تُقبل له شهادةٌ في الإسلام، ويُهْجَر ويؤدَّب على بدعته، فإن تمادى عليها استُتيب منها»(٧).
ولا تخرجُ صفة النزول عن سائر الصفات الفعلية الثابتة لله تعالى بالنصِّ القطعيِّ، حيث ورد في إثباتها جملةٌ من النصوص تصل حدَّ التواتر منها:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ»(٨).
وعن زهير بن عبَّادٍ -رحمه الله- قال: «كلُّ مَن أدركتُ مِن المشايخ: مالكٌ وسفيان وفضيل بن عياضٍ وعيسى وابن المبارك ووكيعٌ كانوا يقولون: النزول حقٌّ»(٩).
وقال الإمام السجزيُّ -رحمه الله-: «وأئمَّتنا كسفيان ومالكٍ والحمَّادَيْن وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبلٍ وإسحاق متَّفقون على أنَّ الله سبحانه فوق العرش وعلمُه بكلِّ مكانٍ، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضى ويتكلَّم بما شاء»(١٠).

في تفنيد نسبة تأويل صفة النزول للإمام مالكٍ -رحمه الله-:

لقد لبَّس المُحاضر على سامعيه حين أحالهم على كتاب «التمهيد» لابن عبد البرِّ مدَّعيًا روايتَه تأويلَ صفة النزول عن الإمام مالكٍ -رحمه الله- بالسند الصحيح، وإذا رجَعْنا إلى المصدر الذي ذكره نجد أنه خان الأمانةَ العلمية ونقل مِن كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- ما حَسِبَه موافقًا لمعتقَده الأشعريِّ وأخفى الحقيقةَ، على طريقة أهل البدع في بتر النصوص وتقطيعها لتتماشى وأهواءَهم، ويحسن إيرادُ سياق كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- بتمامه إذ يقول -رحمه الله-:
«وأمَّا قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديث «يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» فقَدْ أكْثَرَ الناسُ التنازعَ فيه، والذي عليه جمهور أئمَّة أهل السنَّة أنهم يقولون: ينزل كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويصدِّقون بهذا الحديث ولا يكيِّفون، والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء، والحجَّةُ في ذلك واحدةٌ، وقد قال قومٌ مِن أهل الأثر -أيضًا- إنه ينزل أمرُه وتنزل رحمتُه، وروي ذلك عن حبيبٍ كاتب مالكٍ وغيرِه، وأنكره منهم آخَرون وقالوا: هذا ليس بشيءٍ، لأنَّ أمْرَه ورحمته لا يزالان ينزلان أبدًا في الليل والنهار، وتعالى الملك الجبَّار الذي إذا أراد أمرًا قال له: كن فيكون في أيِّ وقتٍ شاء ويختصُّ برحمته مَن يشاء متى شاء لا إله إلاَّ هو الكبير المتعال. وقد روى محمَّد بن عليٍّ الجبليُّ -وكان من ثِقَاتِ المسلمين بالقيروان- قال: حدَّثنا جامع بن سوادة بمصر قال: حدَّثنا مطرِّفٌ عن مالكِ بن أنسٍ أنه سئل عن الحديث: «إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا»، فقال مالكٌ: «يتنزَّل أمرُه»، وقد يحتمل أن يكون كما قال مالكٌ -رحمه الله- على معنى أنه تتنزَّل رحمتُه وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك مِن أمره أي: أكثرُ ما يكون ذلك في ذلك الوقت واللهُ أعلم»(١١).
والملاحَظُ مِن كلام ابن عبد البرِّ -رحمه الله- أنَّ للإمام مالكٍ روايتين في صفة النزول، أُولاهما موافِقةٌ لِما هو مقرَّرٌ عند أهل السنَّة والجماعة مِن إثباتها حقيقةً كما تليق بالله تعالى، والثانية موافِقةٌ لمذهب أهل التأويل. وحالتئذٍ يجب على الباحث المنصف دراسةُ الرواية التي ظاهرُها المخالَفة، لمعرفة مدى مطابَقتها لمنهج الإمام في العقيدة.
وقد ذكر ابن عبد البرِّ أنَّ رواية التأويل لها سندان:
السند الأوَّل: عن حبيبٍ كاتب الإمام مالكٍ -رحمه الله-.
والسند الثاني: عن مطرِّف بن عبد الله.
وكلا الطريقين معلولٌ سندًا ومتنًا، فأمَّا السند الأوَّل: فإنَّ حبيب بن أبي حبيبٍ هو المصريُّ كاتب مالكٍ، يكنَّى أبا محمَّدٍ واسمُ أبيه إبراهيمُ أو مرزوقٌ (ت: ٢١٨)، أصلُه من خراسان، وهو ضعيفٌ باتِّفاق أهل العلم بالنقل، يروي عن الثِّقَات الموضوعاتِ ويُدْخِل عليهم ما ليس مِن أحاديثهم. قال يحيى بن مَعِينٍ: «أَشَرُّ السماعِ من مالكٍ عرضُ حبيبٍ، كان يقرأ على مالكٍ فإذا انتهى إلى آخر القراءةِ صفح أوراقًا وكتب: بَلَغ، وعامَّة سماع المصريين عرضُ حبيبٍ»، وقال أحمد بن حنبلٍ: «ليس بثقةٍ، كان يكذب»، ولم يكن يوثِّقه ولا يرضاه، وأثنى عليه شرًّا وسوءًا، وقال أبو داود: «كان مِن أكذب الناس»، وقال أبو حاتمٍ: «متروك الحديث»، وقال ابن حبَّان: «أحاديثه كلُّها موضوعةٌ»، وقال النسائيُّ: «متروكٌ أحاديثُه كلُّها عن مالكٍ وغيرِه»، وقال ابن عدِيٍّ: «أحاديثُه كلُّها موضوعةٌ، وعامَّة حديث حبيبٍ موضوعُ المتن مقلوبُ الإسناد، ولا يحتشم حبيبٌ في وضعِ الحديث على الثقات وأمرُه بيِّنٌ في الكذَّابين»(١٢)، وقد أشار ابن عبد البرِّ إلى ضعفها بنقلها بصيغة التمريض.
أمَّا الرواية الثانية فكسابقتها فيها علَّتان:
الأولى: في سندها محمَّد بن عليٍّ الجبليُّ المتوفَّى سنة (٤٣٩ﻫ)(١٣)، قال الذهبيُّ في «ميزان الاعتدال»: «محمَّد بن عليِّ بن محمَّد، أبو الخطَّاب الجبليُّ الشاعر، فصيحٌ سائر القول. روى عن عبد الوهَّاب الكلابيِّ، ومدح أبا العلاء المعرِّيَّ فجاوبه بأبياتٍ. قال الخطيب: «قيل: إنه كان رافضيًّا»»(١٤)، ولفظ الخطيب: قيل: إنه كان رافضيًّا شديدَ الرفض.
الثانية: ضعف جامع بن سوادة، نقل ابن حجرٍ -رحمه الله- تضعيفَ الدارقطنيِّ -رحمه الله- له(١٥)، وأورد له الذهبيُّ حديثًا موضوعًا في الجمع بين الزوجين، ثمَّ قال: «كأنه آفَتُه»(١٦)، وعدَّه ابن الجوزيِّ مِن جملة المجاهيل(١٧).
فتبيَّن لكلِّ مُنْصِفٍ عدمُ صحَّة هذين الأثرين عن إمام دار الهجرة -رحمه الله- وأسكنه فسيحَ الجنان.
وعلى فرض التسليم بصحَّة الرواية المثبِتَة للتأويل فيتمُّ الجواب بما يلي:

١- أنها مخالِفةٌ للمحفوظ عن مالكٍ -رحمه الله- كما في رواية الوليد بن مسلمٍ، فتُقَدَّم الروايةُ المشهورة الموافِقة للأصول الصحيحة على الرواية الموافِقة للأصول البدعية إحسانًا للظنِّ بأئمَّة الهدى وأعلام السنَّة، ولذلك لم ينقلها المشاهير مِن أصحابه -رحمه الله-.
٢- يمكن توجيهها بحملها على ما لا يخالف الإيمانَ بحقيقة النزول له -سبحانه- وهو قصدُه أنَّ نزول الربِّ إلى سماء الدنيا يصاحبه الرحمةُ والعفو والاستجابة، وذلك أمرُه، وبهذا التوجيه خَتَمَ ابنُ عبد البرِّ -رحمه الله- قولَه: «وقد يحتمل أن يكون كما قال مالكٌ -رحمه الله- على معنى أنه تتنزَّل رحمتُه وقضاؤه بالعفو والاستجابة، وذلك مِن أمره أي: أكثرُ ما يكون ذلك في ذلك الوقت، والله أعلم».
٣- أنَّ تفسير النزول بنزول أمْرِه غيرُ متَّفقٍ عليه بين المؤوِّلة أنْفُسهم، فقد تضاربت أقوالُهم في تفسير النزول في الحديث، فحَمَله بعضُهم على نزول الملَك بأمره أو نزول أمرِه، وفسَّره آخَرون بنزول برِّه وعطائه وإحسانه، ومنهم مَن حَمَله على نزول رحمته -وهو موافقٌ لِما قبله-، ومنهم مَن زعم أنه الاطِّلاعُ والإقبال على العباد بالرحمة ونحوِ ذلك، فكان -حينئذٍ- التأويل محتملاً لا قطعية فيه باتِّفاق المؤوِّلة، ولا يخفى أنَّ الاحتمال لا يزيل الإشكال، ولا يمكن التعويل عليه في ارتضاء تفسيرٍ مُقْنِعٍ شافٍ.
٤- ولو سلَّمْنا -جدلاً- أنَّ تفسير النزول بنزول أمرِه أو نزول الملَك بأمره، أو نزول رحمته؛ فإنه يظهر بطلانُه من جهةِ قوله تعالى كما في الحديث: «أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، ..»(١٨)، وقد قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩].
ومِن جهةٍ أخرى فإنَّ أمْرَه ورحمته لا يزالان ينزلان، فقَدْ أخبر الله تعالى عن أمره بقوله: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥]، كما أنَّ الثابت نزولُ جزءٍ مِن رحمة الله مرَّةً واحدةً إلى الأرض في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا..»(١٩)، وفي الحديث تصريحٌ بنزول جزءٍ من الرحمة مرَّةً واحدةً إلى الأرض، بينما إذا حمَلْناه على تفسير المؤوِّلة لَلزم أن تكون أجزاءُ رحماته تنزل كلَّ يومٍ غيرَ الجزء الذي دلَّ عليه الحديث، وهذا بلا شكٍّ مناقضٌ لمقتضى الحديث.
ثمَّ إنَّ المعلوم مِن جهةٍ ثالثةٍ أنَّ الأمر والرحمة إنما ينزلان إلى الأرض، وتأويلُ حديث النزول بنزولهما يَلزم منه بقاؤُهما في السماء، فما فائدة العباد منهما إذا ما بقيت الرحمةُ والأمر في سماء الدنيا؟!!
٥- إذا وقع الخلاف بين العلماء فالمصيرُ إلى الحجَّة التي تفصل بين الناس نزاعَهم، فيرجَّح قولُ مَن كانت حجَّته أقوى، وهذا في كلِّ خلافٍ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: ٥٩]، وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ﴾ [الشورى: ١٠]، فالعبرة بالدليل لا بالأشخاص -مهما سَمَت منزلتُهم-، وهذا منهج الإمام مالكٍ إذ قال: «إنما أنا بشرٌ، أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكلُّ ما وافق الكتابَ والسنَّة فخُذُوا به، وكلُّ ما لم يوافق الكتابَ والسنَّة فاتركوه»(٢٠)، وقال أيضًا: «ليس أحدٌ مِن خلق الله إلاَّ يؤخذ مِن قوله ويُترك إلاَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم»(٢١).
وبهذا يتمُّ تفنيدُ تدليسه وبيانُ الخداع الذي انطوى عليه كلامُه.

دفع فرية تشبيه الخالق بالمخلوق في صفة النزول:

افترى المُحاضر على عقيدة أهل السنَّة فريةً عظيمةً حين ادَّعى أنهم يمثِّلون صفاتِ الله بصفات المخلوقين فقال: «ولكنَّ الحشوية الذين يزعمون التمسلف يقولون ينزل حقيقةً كنزولك أنت مِن شجرةٍ أو مِن الطابق العلويِّ أو من المنبر»، وإنما أُتِيَ مِن قِبَل جهله بعقيدة السلف، وحِقده الذي أعماه عن الحقِّ، ذلك لأنَّ كلمة أهل السنَّة مُطْبِقَة على تحريم تمثيل صفات الله بصفات المخلوقين.
قال الإمام ابن عبد البرِّ -رحمه الله-: «أهل السنَّة مُجْمِعون على الإقرار بالصفات الواردة كلِّها في القرآن والسنَّة والإيمان بها وحملِها على الحقيقة لا على المجاز إلاَّ أنهم لا يُكيِّفون شيئًا مِن ذلك ولا يحدُّون فيه صفةً محصورةً، وأمَّا أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلُّها والخوارج فكلُّهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة ويزعمون أنَّ مَن أقرَّ بها مشبِّهٌ، وهم عند مَن أثبتها نافون للمعبود، والحقُّ فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنَّةُ رسوله وهم أئمَّة الجماعة، والحمد لله»(٢٢).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- عن مذهب السلف في الصفات «فطريقتهم تتضمَّن إثباتَ الأسماء والصفات، مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتًا بلا تشبيهٍ، وتنزيهًا بلا تعطيلٍ، كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، ففي قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ردٌّ للتشبيه والتمثيل، وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ردٌّ للإلحاد والتعطيل»(٢٣).
وفي نسبة المُحاضر فريةَ التشبيه للسلفية محاكاةٌ للمقرَّر عند نفاة الصفات على اختلاف طبقاتهم في النفي -مِن الجهمية والمعتزلة والأشاعرة- حيث يدَّعون أنَّ إثبات الصفاتِ أو بعضِها يسمَّى تشبيهًا، ذلك لأنَّ دعواهم مبنيَّةٌ على أنَّ ما في الشاهد إلاَّ صفاتُ المخلوقين، لذلك يلتزمون النفيَ مستدلِّين بأنه يَلْزَم مِن إثبات الصفاتِ تشبيهُ الخالق بالمخلوق، وهذا ما يفسِّر رميَهم لمثبتي الصفات مِن السلف وغيرهم بالتجسيم والتشبيه.
وهذا خطأٌ، إذ لا يصحُّ الاعتماد في النفي والإثبات على لزوم التشبيه وعدمه؛ لأنَّ اتِّفاق المسلمين في بعض الأسماءِ والصفاتِ ليس هو التشبيهَ والتمثيلَ الذي نَفَتْه الأدلَّة السمعية والعقلية، فما مِن شيئين إلاَّ وبينهما قدرٌ مشتركٌ وقدرٌ مميِّزٌ، فنفيُه عمومًا نفيٌ للقدر المشترك وهو باطلٌ، وإثباتُه بعمومه إثباتٌ لتساويهمَا في القدر المميِّز وهو باطلٌ، إذ لا يَلزم من التشابه في بعض الوجوه التشابهُ من كلِّ وجهٍ(٢٤).
قال شارح «الطحاوية»: «ويجب أن يُعلم أنَّ المعنى الفاسد الكفريَّ ليس هو ظاهرَ النصِّ ولا مقتضاه، وأنَّ من فَهِمَ ذلك منه فهو لقصور فهمِه ونقصِ علمه، وإذا كان قد قيل في قول بعض الناس:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحًا * وَآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيمِ

وقيل:
عَلَيَّ نَحْتُ القَوَافِي مِنْ مَعَادِنِِهَا * وَمَا عَلَيَّ إِذَا لَمْ تَفْهَمِ البَقَرُ

كيف يقال في قول الله -الذي هو أصدق الكلام وأحسنُ الحديث، وهو الكتاب الذي ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود: ١]-: إنَّ حقيقة قولهم أنَّ ظاهرَ القرآن والحديث هو الضلال، وأنه ليس فيه بيانُ ما يصلح مِن الاعتقاد، ولا فيه بيانُ التوحيد والتنزيه؟! هذا حقيقة قول المتأوِّلين، والحقُّ أنَّ ما دلَّ عليه القرآن فهو حقٌّ، وما كان باطلاً لم يدلَّ عليه، والمنازعون يدَّعون دلالتَه على الباطل الذي يتعيَّن صرفُه!»(٢٥).
وقال الشنقيطيُّ -رحمه الله-: «فتحصَّلَ مِن جميع هذا البحث أنَّ الصفاتِ مِن بابٍ واحدٍ، وأنَّ الحقَّ فيها متركِّبٌ من أمرين:
الأوَّل: تنزيه الله جلَّ وعلا عن مشابهة الخلق.
والثاني: الإيمان بكلِّ ما وصف به نفْسَه، أو وصَفَه به رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم إثباتًا أو نفيًا، وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، والسلف الصالح رضي الله عنهم ما كانوا يشكُّون في شيءٍ من ذلك، ولا كان يُشْكِلُ عليهم، ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعرٌ فقط، وأمَّا مِن جهة العلم فهو عامِّيٌّ:
وَكَيْفَ أَخَافُ النَّاسَ وَاللهُ قَابِضٌ * عَلَى النَّاسِ وَالسَّبْعِينَ فِي رَاحَةِ اليَدِ

ومرادُه بالسبعين: سبع سماواتٍ، وسبع أَرَضِين، فمَنْ عَلِمَ مثلَ هذا مِن كون السماوات والأَرَضين في يده جلَّ وعلا أصغرَ مِن حبَّة خردلٍ؛ فإنه عالمٌ بعظمة الله وجلاله، لا يسبق إلى ذهنه مشابهةُ صفاته لصفات الخلق، ومَن كان كذلك زال عنه كثيرٌ مِن الإشكالات التي أشكلت على كثيرٍ مِن المتأخِّرين، وهذا الذي ذكَرْنا مِن تنزيه الله جلَّ وعلا عمَّا لا يليق به، والإيمانِ بما وصف به نفسَه، أو وصفه به رسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم، هو معنى قول الإمام مالكٍ -رحمه الله-: الاستواء غيرُ مجهولٍ، والكيف غيرُ معقولٍ، والسؤال عنه بدعةٌ»(٢٦).
وإن تعجب فعجبٌ تبجُّح المُحاضر في مقالاته المنشورة في الصحف -المملوءة بصور النساء المتبرِّجات والإعلانات المحشوَّة بالمعاصي- ومجالسِه الإضلالية المتلفزة بأنَّه مالكيٌّ، ولو كان كذلك لَاقتفى أثرَ الإمام مالكٍ في العقيدة، فكيف ارتضاه إمامًا في الفروع الفقهية وسوَّغ لنفسه مخالفتَه في الأصول الاعتقادية؟ فاللَّهمَّ احفَظْ علينا عقولَنا، وقد حَكَم على نفسه بنفسه مِن حيث اندراجُه في سلك مَن حذَّر منهم الإمام مالكٌ -رحمه الله-، ومِن أحسنِ ما قاله ابن تيمية -رحمه الله-: «كلام مالكٍ في ذمِّ المبتدعة وهجرِهم وعقوبتهم كثيرٌ، ومِن أعظمهم عنده الجهميةُ الذين يقولون: إنَّ الله ليس فوق العرش، وإنَّ الله لم يتكلَّم بالقرآن كلِّه، وإنه لا يُرى كما وردت به السنَّة، وينفون نحو ذلك مِن الصفات، ثمَّ إنَّه كثيرٌ في المتأخِّرين مِن أصحابه مَن يُنكر هذه الأمورَ كما يُنكرها فروعُ الجهمية، ويجعل ذلك هو السنَّةَ ويجعل القولَ الذي يخالفها -وهو قولُ مالكٍ وسائرِ أئمَّة السنَّة- هو البدعةَ، ثمَّ إنه مع ذلك يعتقد في أهل البدعة ما قاله مالكٌ، فبدَّل هؤلاء الدينَ فصَاروا يطعنون في أهل السنَّة»(٢٧).
والعلمُ عندَ الله تَعَالى، والحمدُ لله أوَّلاً وآخرًا، والصلاةُ والسلامُ عَلى المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومَنْ تَبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
إدارة الموقع


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ٢٣٢).

(٢) انظر ما كتبه الشيخ أبو عبد المعزِّ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- ردًّا على هذا الرويبضة -قبل أن يشتهر- في زعمه أنَّ ابن تيمية مجسِّمٌ، فكتب الشيخ -حفظه الله- تعريضًا به رسالةً موسومةً به: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المُغْرِضين لها».

(٣) «صبح الأعشى» (٢/ ٥٠٢).

(٤) «اجتماع الجيوش الإسلامية» (٢/ ٥٨).

(٥) أخرجه الخلاَّل في «السنَّة» (٢٥٦)، والآجرِّي في «الشريعة» (٣/ ١١٤٦).

(٦) «ذمُّ الكلام» لأبي الفضل عبد الرحمن الرازي (٢٥٠)

(٧) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (٢/ ٩٤٢).

(٨) أخرجه البخاري في «أبواب التهجُّد» من صحيحه، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (١١٤٥).

(٩) «أصول السنَّة» لابن أبي زمنين (١١٣).

(١٠) «الآثار الواردة عن أئمَّة السنَّة في أبواب الاعتقاد» لجمال بن أحمد بن بشير بادي (٢٠٩).

(١١) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٧/ ١٤٣).

(١٢) انظر: «الضعفاء والمتروكين» للنسائي (٣٤)، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٢/ ١٩٦)، «الكامل في الضعفاء» لابن عَدِيٍّ (٣/ ٣٢٤)، «المجروحين» لابن حبَّان (١/ ٢٦٥)، «ميزان الاعتدال» للذهبي (١/ ٤٥٢)، «تهذيب التهذيب» لابن حجر (٢/ ١٨١).

(١٣) انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٣/ ٣١٧)، «الوافي بالوفيات» للصفدي (٤/ ٩٢)، «الأعلام» للزركلي (٦/ ٢٧٥).

(١٤) «ميزان الاعتدال» للذهبي (٢/ ٦٥٧).

(١٥) انظر: «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر (٢/ ٤١٥).

(١٦) انظر: «ميزان الاعتدال» للذهبي (١/ ٣٨٧).

(١٧) انظر: «الموضوعات» لابن الجوزي (٢/ ٢٧٩).

(١٨) أخرجه مسلم (٧٥٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(١٩) أخرجه البخاري (٦٠٠٠)، ومسلم (٢٧٥٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(٢٠) «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البرِّ (١/ ٧٧٥).

(٢١) المصدر السابق (٢/ ٩٢٥).

(٢٢) «التمهيد» لابن عبد البرِّ (٧/ ١٤٥).

(٢٣) «التدمرية» (٨).

(٢٤) مستفادٌ من كلام الشيخ محمَّد علي فركوس -حفظه الله- في رسالته الموسومة ﺑ: «دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المُغْرِضين لها» (٢٢).

(٢٥) «شرح الطحاوية» (٢١٥).

(٢٦) «أضواء البيان» (٢/ ٣١).

(٢٧) «الاستقامة» (١/ ١٣).

:: نماذج من كرامات ومكاشفات الصوفية المزعومة ::




إن من أكثر الأمور التي يتفاخر بها الصوفية، ويتناقلونها في مجالسهم، ومنتدياتهم، قديماً وحديثاً، موضوع الأولياء والكرامات التي تحصل لأوليائهم، وسنذكرُ شيئاً من ذلك كنماذج وأمثلة لكبار أوليائهم المزعومين.

وهذه الكرامات لا ينكرها أحد من المتصوفة، حتى يومنا هذا، لأنها مستقاة من كتب الثقات عندهم كإمامهم الشعراني، ومؤرخهم النبهاني، وحجتهم الغزالي، وغيرهم.

فهم يوردونها دون أي تعليق عليها، لاعتقادهم بصحتها؛ بل إنهم يترضون عنهم ويسوقونها على أنها كرامات اختص الله تعالى بها الأولياء، فهم ( يعتقدون أن من اتصل بالله وبلغ الغاية في الفناء خضع لهُ الكون وقوانينه، وجرى على يديه خَرْق العادات بما يسمى الكرامات، مقابل ما كان للأنبياء من معجزات، ومحبة الله - عندهم - هي كل شيء، والسيئات معها تهون، وهذا ما جعلهم يحلون لأنفسهم كل ممنوع، فاجترحوا اللذات ووقعوا في الموبقات ) [الموسوعة العربية العالمية15/203].

والعجب - ولا عجب في الصوفية - أن هذه الكرامات المزعومة، لا تنطلي على السذج فحسب؛ بل على ( أساتذة في الجامعات، أساتذة في الطب، والفيزياء، والكيمياء، تكون عقولهم سليمة عند البحث العلمي، وتمسخ عند الحديث عن الولي الفلاني) [ثقافتنا لزكي نجيب72].

وقبل أن أعرض شيئاً من تلك الخزعبلات والخرافات التي يسمونها كرامات، آمل أن تعذرني - أخي الكريم - حينما أذكر بعض النماذج التي يذوب المرء معها حياءً وخجلاً، وإنما أنقلها من كتب القوم ومصنفاتهم المعتمدة؛ لتقف على بعض اعتقاداتهم ومدى ما وصلت إليه عقولهم.

ومن ذلك - مثلاً - ما يذكرهُ الشعراني في طبقاتهِ - التي تعتبر أصلاً من أصول كتبهم - في معرض ذكرهِ لأحد أوليائهم،فيقول:
(... ومنهم أبو محمد عبدالرحمن المغربي القناوي - رضي الله عنه - وهو من أجلاء مشايخ مصر المشهورين، وعظماء العارفين، صاحب الكرامات الخارقة، والأنفاس الصادقة، حُكي أنهُ نزلَ يوماً في حلقة الشيخ شبحٌ من الجو، لا يدري الحاضرين من هو، فأطرق الشيخ ساعة ثم ارتفع الشبح إلى السماء، فســألوا: فقال: هذا مَلَك، وقعت منهُ هفوة، فسقط علينا يستشفع بنا، فقُبِلَ شفاعتنا فيه،فارتفع ...!!!

( ومرّ عليه كلب، فقام لهُ إجلالاً !!، فقيل لهُ في ذلك، فقال:رأيتُ في عُنقِهِ خيطاً أزرق من زي الفقراء ) [1/157].

وقال أيضاً:
( ومنهم الشيخ إبراهيم العريان رضي الله تعالى عنه ورحمه، وكان رضي الله تعالى عنه، يطلع المنبر ويخطبهم عُرياناً، فيقول: السلطان، ودمياط، باب اللوق، بين الصورين، وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين، فيحصل للناس بسط عظيم، وكان يُخرج الريح، بحضرةِ الأكابرِ ثم يقول: هذه (ضرطة) فلان، ويحلف على ذلك فيخجل ذلك الكبير منه ) [1/129] !!

( ومنهم عبدالله بن عون رضي الله تعالى عنه كان يخلو في بيته صامتاً متفكراً وما دخل حماماً قط ) [1/64] !!

وقال أيضاً:
( ومنهم الشيخ حسين أبو علي رضي الله عنه ورحمه، كان هذا الشيخ - رضي الله عنه - من كُمّل العارفين وأصحاب الدوائر الكبرى، وكان كثير التطورات، تدخل عليه بعض الوقت  تجدهُ جُنديا، ثم تدخل عليه فتجدهُ سبعاً، ثم تدخل فتجدهُ فيلاً، ثم تدخل عليه فتجدهُ صبياً، وهكذا، فمكث نحو أربعين سنة في خلوة مسدود بابها، ليس لهُ غير طاقةٍ يدخلُ منها الهواء !! )

( وكان الشيخ عبيد أحد أصحابهِ (وهو الذي مدفون عنده الآن) مثقوب اللسان، لكثرة ما ينطق به من الكلمات التي لا تأويل لها، وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عبيد في مركب فوحلت، فلم يستطع أحد أن يزحزحها، فقال الشيخ عبيد: اربطوها في بيضتي [أي في خصيته] بحبل، وأنا أنزل أسحبها، ففعلوا، فسحبها ببيضتهِ، حتى تخلصت من الوحل ) [2/87] !!

قال أيضاً:
( وقال الشيخ شرف الدين أبو بكر بن عبدالمحسن: كنّا مع السيد أحمد الصيادي، قُدس سره، وكنا كلما مررنا على نهرِ ماء، استقلبه السمك من النهر إلى الشاطئ وازدحم على قدميهِ، وكذلك الدواب، والهوام، والغزلان، في البر الأقفر، حتى إن الحيوانات التي نراها تقف له على حافتي الطريق !! ).

ومات أحد إخوانه فجأة، فجاءت إليه أم الميت، وهو ساجد في صلاة الضحى فتأخر سجوده، فقالت: وحقك!! لو بقيت إلى يوم القيامة ساجداً لما تركتك إلا بولدي!! فرفع رأسه الشريف باكياً، وإذ بالمريد قد قام حياً!! فسجد شكراً لله على نعمتهِ التي أنعمها عليه.

وذكر المناوي: أنه سجد سجدة واحدة، فامتد سجوده سنة كاملة، ما رفع رأسه حتى نبت العشب على ظهره ) [كما في قلادة الجواهر 340] !!

ويتحدث محمد عثمان البرهاني في كتابهِ: (تبرئة الذمة في نصح الأمة)!! عن ( مناقب السيد البدوي فيقول: أنه دعا الله بثلاثِ دعواتٍ، فأجاب الله دعوتين وأبطل الثالثة؛ دعا الله أن يشفّعهُ في كل من زار قبره، فأجابَ الله ذلك، ودعا الله أن يكتب حجة وعمرة لكل من زار قبره، فأجاب الله ذلك، ودعا الله أن يدخله النار، فرفض الله ذلك.
فسألوا البدوي: لمـاذا رفض الله أن يدخلك النار؟ قال: لأني لو دخلتها فتمرغت فيها تصير حشيشاً أخضر، وحقٌّ على الله أن لا يعذّب بها الكافرين ) [الصوفية والوجه الآخر 61] !!

ويقول أحد الصوفية الأقطاب: ( لولا الحيـاء من الله لبصقتُ على نارهِ فانقلبت جنة ) [الصوفية والوجه الآخر 61 ]!!

ومن كراماتهم المزعومة - أيضاً - ما يذكرهُ الشعراني عن أحد أوليائهم فيقول:
(... وكان الشيخ علي وحيش - رضي الله عنه - يقيم عندنا في خان بنات الخطا، وكان كل من خرج ( أي بعد اقتراف الفاحشة ) يقول لهُ: قف حتى أشفع فيك عند الله، قبل أن تخرج، فيشفع فيه ).
وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيرهُ، ينزله من على (الحماره) ويقول له: امسك رأسها لي حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخ البلدِ، تسمرَ في الأرضِ لا يستطيع أن يمشي خطوة، وإن سمحَ، حصل لهُ خجل عظيم، والناس يمرون عليه ) [الطبقات الكبرى 2/149-150] !!

فهذه نماذج من كرامات الصوفية المزعومة
عدد زوار الموقع