آخر المواضيع

مرحباً بكم على موقع ((لا صوفية في الإسلام)) تجدون في هذا الموقع : مقالات، صوتيات، كتب، مرئيات، وغيرها من الفوائد والفرائد والكنوز. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

السبت، 29 جوان 2013

:: فتوى الإمام ابن قدامة المقدسي في الصوفية ::





الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم..
ما تقول السادة الفقهاء - احسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبانة والغناء ويتواجد ، حتى انه يرقص ، هل يحل ذلك ام لا؟ مع اعتقاده انه محب لله وان سماعه وتواجده ورقصه في الله؟.
وفي اي حال يحل الضرب بالدف؟ هل هو مطلق ، او في حالة مخصوصة؟.
وهل يحل سماع الشعر بالالحان في الأماكن الشريفة ، مثل المساجد وغيرها؟
افتونا مأجورين ، رحمكم الله .


 

قال الشيخ الامام العالم الأوحد شيخ الإسلام ، موفق الدين ، أو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه :

الجواب وبالله التوفيق : ان فاعل هذا مخطيء ساقط المروءة ، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع ، غير مقبول القول : ومقتضى هذا : أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شهادته برؤية هلال رمضان ، ولا أخباره الدينية .

وأما اعتقاده محبة الله عز وجل ، فانه يمكن ان يكون محباً لله سبحانه ، مطيعا له في غير هذا ، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه ، وأعمال صالحة في غير هذا المقام .

وأما هذا فمعصية ولعب ، ذمه الله تعالى ورسوله ، وكرهه اهل العلم ، وسموه : بدعة ، ونهوا عن فعله ، ولا يُتقرب الى الله سبحانه بمعاصيه ، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه ، ومن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته ، كان حظه الطرد والابعاد ، ومن اتخذ اللهو واللعب دينا ، كان كمن سعى في الارض الفساد ، ومن طلب الوصول الى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول الى المراد .

وقد روى أبو بكر الاثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني احمد بن جنبل - يقول : " التغبير محدث " وقال ابو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت : انه ترق عليه القلوب . فقال : " هو بدعة " وروى غيره انه كرهه ، ونهى عن اسماعه .

وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : سمعت الشافعي محمد بن ادريس يقول : " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير ، أحدثته الزنادقة ، يصدون الناس به عن القرآن " .

وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ " .

وقال عبد الله بن داود : " أرى ان يضرب صاحب التغبير " .

والتغبير : اسم لهذا السماع ، وقد كرهه الائمة كما ترى . ولم ينضم اليه هذه المكروهات من الدفوف والشبابات ، فكيف به إذا انضمت اليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قيل المكاء التصفير ، والتصدية : التصفيق . وقال الله سبحانه لنبيه : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا } .

ومن المعلوم ان الطريق الى الله سبحانه انما تعلم من جهة الله تعالى بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى رضيه هادياً ومبيناً ، وبشيراً ونذيراً ، وأمر باتباعه ، وقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وجعل اتباعه دليلاً على محبته ، فقال سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً } وقال سبحانه : { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } .

ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شفيقاً على أمته ، حريصاً على هداهم رحيماً بهم ، فما ترك طريقاً تهدي إلى الصواب إلا وشرعها لأمته ، ودلهم عليها بفعله وقوله ، وكان أصحابه عليهم السلام من الحرص على الخير والطاعة ، والمسارعة إلى رضوان الله بحيث لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا سابقوا اليها ، فما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته انه سلك هذه الطريقة الرديئة ، ولا سهر ليلة في سماع يتقرب به إلى الله سبحانه ، ولا قال : من رقص فله من الأجر كذا ، ولا قال : الغناء ينبت الإيمان في القلب ، ولا استمع الشبابة فأصغى اليها وحسنها ؛ او جعل في اسمتاعها وفعلها أجراً . وهذا أمر لا يمكن مكابرته ، وإذا صح هذا لزم أن لا يكون قربة إلى الله سبحانه ، ولا طريقاً موصلا اليه ، ووجب أن يكون من شر الأمور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " وهذا منها . وقال عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .

وقد سمى الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه .

فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً : فإن هذه جميعها من اللعب ، فمن جعلها دأبه أو اشتهر بفعلها أو استماعها أو قصدها في مواضعها أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة ، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة ، وكذلك الرقاص .

وأغلظها الشبابة ، فإنه قد روي فيها الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال : كنت مع ابن عمر في طريق فسمع صوت زامر يرعى ، فعدل عن الطريق وأدخل اصبعيه في اذنيه ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ هل تسمع؟ قلت : نعم ، فمضى ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ قلت : لا ، فأخرج يديه من اذنيه ، قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل . رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصري عن مروان الطاطري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى . ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الانطاكي عن محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع .

وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : يرويه سليمان ابن موسى عن نافع عن ابن عمر .

وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ، لسد أذنيه وعدوله عن الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر .

ولأنها من المزامير ، وما بلغنا عن أحد من العلماء الرخصة في المزمار ، فهي كالطنبور ، بل هي أغلظ ، فانه ورد فيها ما لم يرد فيه .

وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه . وكان أهل المدينة يرخصون فيه ، وخالفهم كثير من أهل العلم ، وعابوا قولهم .

قال عبد الله بن مسعود : " الغناء ينبت النفاق في القلب " . وقال مكحول : " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه " . وقال معمر : " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا - ، واتيان النساء في ادبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المسكر ، كان شر عباد الله " .

وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وكذلك قال ابراهيم بن المنذر الخزامي .

وعلى كل حال فهو مكروه وليس من شأن أهل الدين .

فأما فعله في المساجد فلا يجوز ، فان المساجد لم تبن لهذا . ويجب صونها عما هو أدنى منه ، فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟!

وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال . وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً . ولا يتبين لي تحريمه إلا ان يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء ، فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء . أو يضرب به عند الميت ، فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال .

وقد كام أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها ، وذكر أحمد عنهم ولم يذهب اليه ، لأن السنة وردت بالرخصة فيه ، وهي أحق ما اتبع .

فقد روي عن عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالانبار - فقال : ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه . قال يزيد بن هارون : التقليس : ضرب الدف .

وقال أنس بن مالك : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن بدف لهن وهن يقلن :

نحن جوار من بني النجار
وحبذا محمد من جار

فقال : " الله يعلم اني أحبكم " .

وروي ان امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف ، فقال : " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو كما جاء .

وفي الجملة فانه وإن رخص فيه للاعب ، فإنا نعتقده لعباً ولهواً .

فأما من يجعله دينا ، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله سبحانه ، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينه ، ويفتن قلبه ، ويخالف ربه في قوله سبحانه { وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } فكان دليلاً على تسامحه في المخالفة لقوله { ويحفظوا فروجهم } ولم يكن ذلك أزكى لهم . ومن ابتلي بمخالفة أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .

وقد قال بعض التابعين : " ما انا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار أكثر من الغلام الأمرد يقعد إليه .

وقال ابو سهل : " سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم : اللائطون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل " .

وعن الحسن بن ذكوان انه قال : " لا تجالسوا اولاد الاغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى " .

ولا ينبغي لأحد ان يغتر بنفسه . أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة ايمانه ، فان من خالف حدود الله تعالى ونظر الى ما منعه الشرع من النظر اليه ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ، وكيف يغتر عاقل بذلك ، وقد علم ما ابتلي به داود نبي الله عليه السلام ، وهو أعبد البشر ، ونبي من انبياء الله تعالى ، يأتيه خير السماء ، وتختلف اليه الملائكة بالوحي ، ومع ذلك وقع فيما وقع فيه من الذنب بسبب نظرة نظرها . وبعض عباد بني إسرائيل عبد الله سبعين عاما ثم نظر الى امرأة فافتتن بها . وبرصيصا العابد ، كان هلاكه بسبب النظر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي عليه السلام : " لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " . وهو من سادات هذه الأمة ، ومحله من الدين والعلم والمعرفة بالله تعالى وبحقه وحدوده وحرماته محله ، فمن انت ايها المغرور الجاهل بنفسه؟ انظر أين أنت من هؤلاء المذكورين ، وقد روى اسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت فتنة بعدي اضر على الرجال من النساء " وجاء في الاثر : " ان النظرة سهم مسموم من سهام إبليس " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر " وقال الفضيل بن عياض : " الغناء رقية الزنا " ، فإذا اجتمعت رقية الزنا وداعيته ورائده فقد استكملت أسبابه .

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز انه قال : " انه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الاغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء " .

ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على الايمان ما ما ينبت النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد احتواء اذنيه على شيء مما ينتفع به .

فمن أحب النجاة غدا ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من طريق الردى ، فعليه بكتاب الله فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فان طريقهم هو الصراط المستقيم ، الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صحة صلاتنا موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه معلما لنا : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين .

فمن شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مرق من الدين ، وخرج من جملة المسلمين ، ومن علم ذلك ، وصدق ورضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيا ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه لعلكم تهتدون } وغير ذلك من الآيات . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " . فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً . ينصرف عنها حالاً فحالاً ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواها ، ويبتغي رضاه فيما عداها .

أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ، ويتبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً؟ كلا ، لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وان هذا صراطي مستقميا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خط خطا مستقيما فقال : " هذا سبيل الله " وخط من ورائه خطوطا فقال : " هذه سبل الشيطان ، على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ، من أجابهم اليها قذفوه في النار " أو كما جاء الخبر .

فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سبل الشيطان ، من سلكها قذف في النار ، وسبيل الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون ، واتبعهم فيها التابعون بإحسان الى يوم الدين ، { رضي الله عنهم ورضوا عنه ، أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } ، فمن سلكها سعد ، ومن تركها بعد .

وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وسيرته وما كان عليه في عبادته وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب الاقتداء به واتباعه ، وسلوك منهجه ، والحق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته و { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً } .

ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم ، وجعلنا وإياكم ممن يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً ان الله عنده أجر عظيم .

فيا أيها الآدمي المسكين المخلوق لأمر عظيم ، الذي خُلقت من أجله الجحيم وجنات النعيم ، إذا أنت أصغيت إلى الملاهي بسمعك ، ونظرت إلى محارم الله ببصرك ، وأكلت الشبهات بفيك ، وأدخلتها إلى بطنك ، ورضيت لنفسك برقصك ونقصك ، وأذهبت أوقاتك العزيزة في هذه الاحوال الخسيسة ، وضيعت عمرك الذي ليست له قيمة ، في كسب هذه الخصال الذميمة ، وشغلت بدنك المخلوق للعبادة ، بما نهى الله عنه عباده ، وجلست مجالس البطالين ، وعملت أعمال الفاسقين والجاهلين ، فسوف تعلم إذا انكشف الغطاء ، ونزل القضاء ، ماذا يحل بك من الندم يوم ترى منازل السابقين ، وأجور العاملين ، وأنت مع المخلفين المفرطين ، معدود في جملة المبطلين الغافلين ، قد زلت بك القدم ، ونزل بك الالم ، واشتد بك الندم ، فيومئذ لا يُرحم من بكى ، ولا يُسمع من شكى ، ولا يقال من ندم ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم . .

أيقظنا الله وإياكم من سنة الغفلة ، واستعملنا وإياكم لما خلقنا له برحمته


تمت الفتيا
والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

:: فتوى الإمام ابن قدامة المقدسي في الصوفية ::





الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم..
ما تقول السادة الفقهاء - احسن الله توفيقهم - فيمن يسمع الدف والشبانة والغناء ويتواجد ، حتى انه يرقص ، هل يحل ذلك ام لا؟ مع اعتقاده انه محب لله وان سماعه وتواجده ورقصه في الله؟.
وفي اي حال يحل الضرب بالدف؟ هل هو مطلق ، او في حالة مخصوصة؟.
وهل يحل سماع الشعر بالالحان في الأماكن الشريفة ، مثل المساجد وغيرها؟
افتونا مأجورين ، رحمكم الله .


 

قال الشيخ الامام العالم الأوحد شيخ الإسلام ، موفق الدين ، أو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه :

الجواب وبالله التوفيق : ان فاعل هذا مخطيء ساقط المروءة ، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع ، غير مقبول القول : ومقتضى هذا : أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شهادته برؤية هلال رمضان ، ولا أخباره الدينية .

وأما اعتقاده محبة الله عز وجل ، فانه يمكن ان يكون محباً لله سبحانه ، مطيعا له في غير هذا ، ويجوز أن يكون له معاملة مع الله سبحانه ، وأعمال صالحة في غير هذا المقام .

وأما هذا فمعصية ولعب ، ذمه الله تعالى ورسوله ، وكرهه اهل العلم ، وسموه : بدعة ، ونهوا عن فعله ، ولا يُتقرب الى الله سبحانه بمعاصيه ، ولا يُطاع بارتكاب مناهيه ، ومن جعل وسيلته الى الله سبحانه معصيته ، كان حظه الطرد والابعاد ، ومن اتخذ اللهو واللعب دينا ، كان كمن سعى في الارض الفساد ، ومن طلب الوصول الى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول الى المراد .

وقد روى أبو بكر الاثرم قال : سمعت أبا عبد الله - يعني احمد بن جنبل - يقول : " التغبير محدث " وقال ابو الحارث : سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت : انه ترق عليه القلوب . فقال : " هو بدعة " وروى غيره انه كرهه ، ونهى عن اسماعه .

وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي : سمعت الشافعي محمد بن ادريس يقول : " تركت بالعراق شيئاً يقال له التغبير ، أحدثته الزنادقة ، يصدون الناس به عن القرآن " .

وقال يزيد بن هارون : " ما يغبر إلا فاسق ، ومتى كان التغبير ؟ " .

وقال عبد الله بن داود : " أرى ان يضرب صاحب التغبير " .

والتغبير : اسم لهذا السماع ، وقد كرهه الائمة كما ترى . ولم ينضم اليه هذه المكروهات من الدفوف والشبابات ، فكيف به إذا انضمت اليه واتخذوه ديناً؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله : { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية } قيل المكاء التصفير ، والتصدية : التصفيق . وقال الله سبحانه لنبيه : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا } .

ومن المعلوم ان الطريق الى الله سبحانه انما تعلم من جهة الله تعالى بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى رضيه هادياً ومبيناً ، وبشيراً ونذيراً ، وأمر باتباعه ، وقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وجعل اتباعه دليلاً على محبته ، فقال سبحانه : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً } وقال سبحانه : { إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } .

ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شفيقاً على أمته ، حريصاً على هداهم رحيماً بهم ، فما ترك طريقاً تهدي إلى الصواب إلا وشرعها لأمته ، ودلهم عليها بفعله وقوله ، وكان أصحابه عليهم السلام من الحرص على الخير والطاعة ، والمسارعة إلى رضوان الله بحيث لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا سابقوا اليها ، فما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته انه سلك هذه الطريقة الرديئة ، ولا سهر ليلة في سماع يتقرب به إلى الله سبحانه ، ولا قال : من رقص فله من الأجر كذا ، ولا قال : الغناء ينبت الإيمان في القلب ، ولا استمع الشبابة فأصغى اليها وحسنها ؛ او جعل في اسمتاعها وفعلها أجراً . وهذا أمر لا يمكن مكابرته ، وإذا صح هذا لزم أن لا يكون قربة إلى الله سبحانه ، ولا طريقاً موصلا اليه ، ووجب أن يكون من شر الأمور ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " وهذا منها . وقال عليه الصلاة والسلام : " كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .

وقد سمى الأئمة هذا بدعة بما ذكرناه .

فأما تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً : فإن هذه جميعها من اللعب ، فمن جعلها دأبه أو اشتهر بفعلها أو استماعها أو قصدها في مواضعها أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة ، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة ، وكذلك الرقاص .

وأغلظها الشبابة ، فإنه قد روي فيها الحديث الذي يرويه سليمان بن موسى عن نافع قال : كنت مع ابن عمر في طريق فسمع صوت زامر يرعى ، فعدل عن الطريق وأدخل اصبعيه في اذنيه ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ هل تسمع؟ قلت : نعم ، فمضى ثم قال : يا نافع ، هل تسمع؟ قلت : لا ، فأخرج يديه من اذنيه ، قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل . رواه الخلال في " جامعه " عن عوف بن محمد المصري عن مروان الطاطري عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى . ورواه أيضاً عن عثمان بن صالح الانطاكي عن محمود بن خالد عن أبيه عن المطعم بن المقدام عن نافع .

وسئل أحمد عن هذا الحديث ، فقال : يرويه سليمان ابن موسى عن نافع عن ابن عمر .

وهذا مبالغة من النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه ، لسد أذنيه وعدوله عن الطريق ولم يكتف بأحدهما عن الآخر .

ولأنها من المزامير ، وما بلغنا عن أحد من العلماء الرخصة في المزمار ، فهي كالطنبور ، بل هي أغلظ ، فانه ورد فيها ما لم يرد فيه .

وأما الغناء فقد اختلف العلماء فيه . وكان أهل المدينة يرخصون فيه ، وخالفهم كثير من أهل العلم ، وعابوا قولهم .

قال عبد الله بن مسعود : " الغناء ينبت النفاق في القلب " . وقال مكحول : " من مات وعنده مغنية لم يصل عليه " . وقال معمر : " لو أن رجلا أخذ بقول أهل المدينة في السماع - يعني الغنا - ، واتيان النساء في ادبارهن - وبقول أهل مكة في المتعة والصرف ، وبقول أهل الكوفة في المسكر ، كان شر عباد الله " .

وسئل مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : " إنما يفعله عندنا الفساق " ، وكذلك قال ابراهيم بن المنذر الخزامي .

وعلى كل حال فهو مكروه وليس من شأن أهل الدين .

فأما فعله في المساجد فلا يجوز ، فان المساجد لم تبن لهذا . ويجب صونها عما هو أدنى منه ، فكيف بهذا الذي هو شعار الفساق ومنبت النفاق؟!

وأما الدف فهو أسهل هذه الخصال . وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح وجاءت الرخصة فيه في غير النكاح أيضاً . ولا يتبين لي تحريمه إلا ان يكون الضارب به رجلا يتشبه بالنساء ، فيحرم لما فيه من تشبه الرجال بالنساء . أو يضرب به عند الميت ، فيكون ذلك إظهاراً للسخط بقضاء الله والمحاربة له ، فأما إن خلا من ذلك فلست أراه حراماً بحال .

وقد كام أصحاب عبد الله بن مسعود يخرقون الدفوف ويشددون فيها ، وذكر أحمد عنهم ولم يذهب اليه ، لأن السنة وردت بالرخصة فيه ، وهي أحق ما اتبع .

فقد روي عن عياض بن غنم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد شهد عيداً بالانبار - فقال : ما أراكم تقلسون؟ كانوا يقلسون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلونه . قال يزيد بن هارون : التقليس : ضرب الدف .

وقال أنس بن مالك : مر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار من بني نجار وهن يضربن بدف لهن وهن يقلن :

نحن جوار من بني النجار
وحبذا محمد من جار

فقال : " الله يعلم اني أحبكم " .

وروي ان امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت إن سلمك الله ان أضرب على رأسك بالدف ، فقال : " إن كنت نذرت فافعلي وإلا فلا " أو كما جاء .

وفي الجملة فانه وإن رخص فيه للاعب ، فإنا نعتقده لعباً ولهواً .

فأما من يجعله دينا ، ويجعل استماعه واستماع الغناء قربة وطريقاً إلى الله سبحانه ، فلا يكاد يوصله ذلك إلا إلى سخط الله ومقته وربما انضم إلى ذلك النظر إلى النساء المحرمات أو غلام جميل يسلبه دينه ، ويفتن قلبه ، ويخالف ربه في قوله سبحانه { وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } فكان دليلاً على تسامحه في المخالفة لقوله { ويحفظوا فروجهم } ولم يكن ذلك أزكى لهم . ومن ابتلي بمخالفة أول الآية فليبادر إلى العمل بآخرها { وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } .

وقد قال بعض التابعين : " ما انا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار أكثر من الغلام الأمرد يقعد إليه .

وقال ابو سهل : " سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم : اللائطون على ثلاثة أصناف : صنف ينظرون ، وصنف يصافحون ، وصنف يعملون ذلك العمل " .

وعن الحسن بن ذكوان انه قال : " لا تجالسوا اولاد الاغنياء فإن لهم صوراً كصور النساء ، وهم أشد فتنة من العذارى " .

ولا ينبغي لأحد ان يغتر بنفسه . أو يثق بما يظن في نفسه من صلابة دينه ، وقوة ايمانه ، فان من خالف حدود الله تعالى ونظر الى ما منعه الشرع من النظر اليه ، نزعت منه العصمة ، ووكل إلى نفسه ، وكيف يغتر عاقل بذلك ، وقد علم ما ابتلي به داود نبي الله عليه السلام ، وهو أعبد البشر ، ونبي من انبياء الله تعالى ، يأتيه خير السماء ، وتختلف اليه الملائكة بالوحي ، ومع ذلك وقع فيما وقع فيه من الذنب بسبب نظرة نظرها . وبعض عباد بني إسرائيل عبد الله سبعين عاما ثم نظر الى امرأة فافتتن بها . وبرصيصا العابد ، كان هلاكه بسبب النظر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي عليه السلام : " لا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى " . وهو من سادات هذه الأمة ، ومحله من الدين والعلم والمعرفة بالله تعالى وبحقه وحدوده وحرماته محله ، فمن انت ايها المغرور الجاهل بنفسه؟ انظر أين أنت من هؤلاء المذكورين ، وقد روى اسامة بن زيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت فتنة بعدي اضر على الرجال من النساء " وجاء في الاثر : " ان النظرة سهم مسموم من سهام إبليس " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " العينان تزنيان وزناهما النظر " وقال الفضيل بن عياض : " الغناء رقية الزنا " ، فإذا اجتمعت رقية الزنا وداعيته ورائده فقد استكملت أسبابه .

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز انه قال : " انه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الاغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشب الماء " .

ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على الايمان ما ما ينبت النفاق في قلبه ، وهو حين يفارقها لا يعتقد احتواء اذنيه على شيء مما ينتفع به .

فمن أحب النجاة غدا ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من طريق الردى ، فعليه بكتاب الله فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فان طريقهم هو الصراط المستقيم ، الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صحة صلاتنا موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه معلما لنا : { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } آمين .

فمن شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مرق من الدين ، وخرج من جملة المسلمين ، ومن علم ذلك ، وصدق ورضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيا ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه لعلكم تهتدون } وغير ذلك من الآيات . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وقوله عليه الصلاة والسلام : " خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها " . فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً . ينصرف عنها حالاً فحالاً ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواها ، ويبتغي رضاه فيما عداها .

أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ، ويتبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً؟ كلا ، لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وان هذا صراطي مستقميا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خط خطا مستقيما فقال : " هذا سبيل الله " وخط من ورائه خطوطا فقال : " هذه سبل الشيطان ، على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ، من أجابهم اليها قذفوه في النار " أو كما جاء الخبر .

فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سبل الشيطان ، من سلكها قذف في النار ، وسبيل الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون ، واتبعهم فيها التابعون بإحسان الى يوم الدين ، { رضي الله عنهم ورضوا عنه ، أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم } ، فمن سلكها سعد ، ومن تركها بعد .

وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وسيرته وما كان عليه في عبادته وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب الاقتداء به واتباعه ، وسلوك منهجه ، والحق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته و { من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً } .

ثبتنا الله وإياكم على صراطه المستقيم ، وجعلنا وإياكم ممن يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها أبداً ان الله عنده أجر عظيم .

فيا أيها الآدمي المسكين المخلوق لأمر عظيم ، الذي خُلقت من أجله الجحيم وجنات النعيم ، إذا أنت أصغيت إلى الملاهي بسمعك ، ونظرت إلى محارم الله ببصرك ، وأكلت الشبهات بفيك ، وأدخلتها إلى بطنك ، ورضيت لنفسك برقصك ونقصك ، وأذهبت أوقاتك العزيزة في هذه الاحوال الخسيسة ، وضيعت عمرك الذي ليست له قيمة ، في كسب هذه الخصال الذميمة ، وشغلت بدنك المخلوق للعبادة ، بما نهى الله عنه عباده ، وجلست مجالس البطالين ، وعملت أعمال الفاسقين والجاهلين ، فسوف تعلم إذا انكشف الغطاء ، ونزل القضاء ، ماذا يحل بك من الندم يوم ترى منازل السابقين ، وأجور العاملين ، وأنت مع المخلفين المفرطين ، معدود في جملة المبطلين الغافلين ، قد زلت بك القدم ، ونزل بك الالم ، واشتد بك الندم ، فيومئذ لا يُرحم من بكى ، ولا يُسمع من شكى ، ولا يقال من ندم ، ولا ينجو من عذاب الله إلا من رحم . .

أيقظنا الله وإياكم من سنة الغفلة ، واستعملنا وإياكم لما خلقنا له برحمته


تمت الفتيا
والحمد لله وحده ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

الخميس، 27 جوان 2013

:: رسالة من سورية موحّدة إلى العلامة عبد الرحمن الوكيل ::

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد اطلعت على مقال ماتع، يقر أعين أهل التوحيد والسنة، لامرأة فاضلة حلبية سلفية، يعود عمر مقالها لعام 1380هـ، قد أرسلته لسماحة الشيخ عبدالرحمن الوكيل –رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية سابقا- رحمه الله، فنشره في مجلة جماعة أنصار السنة المحمدية المعروفة بـ (مجلة الهدي النبوي):

إلى فضيلة الشيخ المكرم عبدالرحمن الوكيل رئيس مجلة الهدي النبوي –حفظه الله ورعاه-

أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على المبعوث هادياً إلى الحق، ومنقذاً من الضلال إلى الهدى، أفضل الخلق وأكرمهم على الله عبدالله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فإنني قرأت في كتاب الله قوله تعالى: ((قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)).

 وقوله تعالى : ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))،

وقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء))،

وقول تعالى: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ)).

وقرأت في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: ((أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً))، وعن عقبة بن عامر –رضي الله عنه- مرفوعاً: ((من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا  ودع الله له))، وفي رواية: ((من علق تميمة فقد أشرك))، ولابن أبي حاتم عن حذيفة –رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى، فقطعه، وتلا قوله تعالى: ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)).

وفي الصحيحين عن أبي بشيرالأنصاري –رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ((أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة، إلا قطعت))، وفي مسند أحمد وسنن أبي داود عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال: ((سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((إن الرقى والتمائم والتّولة شرك))، وفي مسند أحمد والترمذي عن عُلَيْم مرفوعاً: ((من تعلق شيئاً وُكل إليه))، وروى وكيع بن الجراح الكوفي عن سعيد بن جبير قال: ((من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة))، قال أهل العلم: له حكم المرفوع لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي.

نعم.. قرأت كل هذا، وقرأت غيره من كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأكدت من ذلك تحريم وضع الخيط من اليد والصفر بقصد الشفاء من الأمراض، وتحريم تعليق التمائم والتعاويذ على رؤوس أو صدور الأولاد والأنعام للحفظ من العين الحاسدة، وما إلى ذلك من التشبثات الشركية بنيَّة دفع الضرر، فحرمت ذلك على نفسي، وعلى أولادي، وجنَّبت بيتي بفضل الله وتوفيقه من معالم الشرك وموجبات سخط الله، ومن كمال توفيقه وفضله عليّ أنه يسر لي سبحانه دعوة الناس إلى ترك ذلك طاعة لله، واعتماداً عليه تعالى في كل أمور، وقد أقنعت بفضل الله الكثيرات من النساء، بألاّ يضعن أو يعلّقن على أولادهن شيئاً مما يضعه الجاهلات من الخرز الأزرق، والشب، وسن الذئاب، والودع، وما شاكل ذلك من التمائم .. وألاّ يحملن شيئاً من هذا القبيل، ويذَرن كل مامن شأنه أن يشوب عقيدة التوحيد، أو يوقع في الشرك الأكبر، ولكي لا يعَوِّدْنَ أولادهن على فعله بدافع التقليد والاستحسان.

كما أنه تعالى وفقني لنصح بعض الباعة في الأسواق الذي يعتمدون في جلب الرزق على الطلاسم، ونعال الدواب بتعليقها في أعالي الحوانيت، وفي دفع الأعين الحاسدة، وعلى وضع الخرز الأزرق، وتعليق بعض الأوراق طُبع عليها كفّ إنسان ورسم في وسطها صورة عين، وكتب عليه: "الحسود لا يسود"، إلى غير ذلك من التمائم والتعاويذ، وكان لا يمعني –وأنا امرأة- أن أُسدي نصائحي لهؤلاء الباعة بأن يطمسوا كلّ هذه المقابح التي من شأنها أن تُبعد العبد عن ربه وتَحُول دون إخلاص العبادة له وإفراده سبحانه بها.

هذه التمائم هي التي تضرُّ الإنسانَ في عقيدته، فيتعلق قلبه بغير الله وهي التي لا تنفعه فيما من أجله علّقت، واعتمد على مالها من تأثير في زعمه، مع أنها لا تأثير لها البتة والكل بيد الله، وهو وحده الفعال لما يريد.

وكنت أقول لهم مُعالِجةً لهذه الترهات:

.. من تعبدون؟ 
فيقولون: الله،
 فأقول: ومن الذي خلق العين الحاسدة وقدّر فيها الأذى..؟
 فيقولون: الله، 
ثم أقول: ومن يُقدِّر أرزاق العباد ويزيد فيها وينقص..؟
 فيقولون: الله، 
فأقول: ومن الذي يضر وينفع؟
 فيقولون: الله، 
فأقول: إذاً ما الفائدة من تعليق هذه التمائم الوتعاويذ والاعتماد عليها في جلب النفع ودفع الضر، ما دمتم تقرّون أن الله تعالى هو الفعّال المطلق..فإذا أراد الله بكم ضراً فهل تستطيع هذه التمائم دفع الضر؟ فإن قلتم: نعم، فقد جعلتم هذه التمائم والجمادات أشد قوة ورحمة من الله تعالى، وهذا كفر بواح صراح...أما إن قلتم: لا.. فلم يبق إذاً ضرورة لتعليقها والاعتماد عليها، فلماذا تفعلون ما حرم الله، وتذرون ما أحلَّ الله؟

أما شرَّع الله في تلاوة المعوذتين (الفلق والناس) لدفع أذى العين الحاسدة؟ فلم تحاولون دفع قدر الله بما حرم عليكم فعله –وليس بمدفوع- ولا تدفعون قدر الله بما شرع الله ...؟ أليس منكم هذا تناقضاً مع إقراركم بأن الله هو الفعال لما يريد .. وأنه المعبود وحده؟ ... وهو الذي يقدّر الضرر...وهو الذي يدفعه وحده.

هنا ...يقتنع البعض، وتنشرح قلوب البعض من عقلائهم...ولكن تبقى الشبهة قائمة عند البعض الآخر فيحتجون قائلين: يمر علينا في اليوم الواحد عشرات المشايخ والعلماء، ولا يتعرّض أحد منهم إلى نهينا عن تعليق هذه التمائم والتعاويذ ... وإن هذه التمائم، والجلبات، والتعاويذ صنعها وكتبها بعض المشايخ أنفسهم ...؟!! فهل يعقل أنّكِ وحدكِ تعلمين الحرام والحلال –وانت امرأة- ويجهلون هم..؟!! وهم المشايخ المكرمون والعلماء المحترمون...؟

فأقول: حاشا لمثل هذه الأفعال أن يؤيدها المشايخ أو يقترفها العلماء. وهؤلاء هم أبعد الناس عن هذه الموبقات لأنهم يعرفون حقائقها وأنّها من الشرك الأكبر، لا تنظروا إلى من يتزيَّنون بزيّ المشايخ والعلماء زوراً وكذباً وبهتاناً، فهؤلاء جهلة مشعوذون وليسوا بمشايخ ولا علماء. وعلى كلٍّ فالحلال حلال، والحرام حرام، ولا يتغير منها شيئاً عدم تنبيه العلماء، أو تقاعس البعض عن القيام بهذا الواجب،  والرجال يعرفون بالحق ... ولا يعرف الحق بالرجال، واعرفوا الحق تعرفوا أهله.

هذا والأمل معقود على الله ثم على أمثالكم من العلماء والعاملين في إرجاع الناس إلى الحق والصواب، أجزل الله لكم الأجر وضاعف مثوبتكم، وأحسن إليكم، إنه نصير العاملين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أختكم في الله ((امرأة مسلمة من حلب))


(الهدي النبوي) : جاءتنا هذه الكلمة القيمة التي تفض بالإخلاص، والدعوة إلى التوحيد الخالص، من إحدى المؤمنات بحلب، بالإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، رأينا نشرها تعميماً للفائدة، والله المسئول أن ينفع بها، ويأجر صاحبتها خيراً، كفاءَ قيامها بالواجب الذي يتقاعس عنه كثير من العلماء.


[ مجلة الهدي النبوي 22 / 45-48 ]

الجمعة، 21 جوان 2013

::مقال: (قـلـم التـسجـيـل) في كشف صوفيات مرشد الإخوان::

جاءت هذه المقالة في مجلة الهدي النبوي /العدد (7) / لعام 1365هـ  بلا اسم، وتكون هذه المقالات –فيما أظن- لرئيس التحرير أو مدير المجلة، وقد كان رئيس التحرير حينها سماحة الشيخ العلامة محمد حامد الفقي، ومدير المجلة سماحة الشيخ محمد صادق عرنوس –رحمهما الله تعالى-.
وقد جاء في المقال:

اعتاد فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أن يطالع قراء صحيفة (الإخوان) صباح كل جمعة بحديثٍ افتتاحي في الدين وما يدعو إليه من أخلاق فاضلة، مما يجعله بمثابةِ تلطيفٍ لحرارة الجو السياسي الخنِق.
و الحديث –ولاشك- فيه خيرٌ كثير لولا ما يدُسُّهُ فضيلته في ثناياه من رقائِق تُطبعه بالطابع (الصوفي) الخيالي الذي يستعين به دائما في تليين القلوب وجذبها إلى حظيرة الهداية كما فعل في حديث الجمعة الأخير الذي عنون له بـ (قلــم التسجيــل).

فقد ساق له من الشواهد القرآنية ما فيه قرّة عين المؤمن، وسكينةَ قلبه، وطمأنينة نفسه، بِغضِّ النّظر عن الموضع الذي وضع فيه الآية الكريمة: ((في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة)) حيث أقحمها في غير ما نزلت لأجله؛ فقد أراد بها الكتب التي يُدوَّن فيها الوحي، ولذلك قال بعد هذا: ((بأيدي سفرة كرام بررة)) وأراد بذلك: ضمان حفظها من التغيير والتبديل، فلا تَحْمِلها إلا الأيدي الأمينة الطاهرة إلى رسلٍ أُمناء اطهار، يُبلّغونها الانس كما جاءت عن ربهم، كما قال في الآية الأخرى: ((إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهرون)).

فكُتُب الوحي توصف بالطُهر والرّفعة والكرم دائماً، فهي أوصافٌ لا تُزايلها أبداً، أما كُتُبِ الأعمالِ ففيها ما هو في علّيين وفيها ما هو في سجّين، فليست دائماً: ((في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة)) حتى تَصْلُح الآيةُ شاهداً لما قصده فضيلة المرشد؛ ولنغضّ الطّرف من ذلك ونقول: لعلّه لم يتعمّده.

ونحن في الواقع ما سقنا ذلك إلا استطرادا لم يكن مقصوداً، أما المقصودُ بالذات من كلمتنا هذه فهو مِثل ما جاء في حديثه الأخير:
" ولعلّ من لطائف صور هذا التسجيل ما ورد في الحديث: (أن رجلا قال في بعض أدعيته ومناجاته: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضَلت بالملَكَين فلم يدريا كيف يكتُبان ثوابها، فقال الحق تبارك وتعالى: اكتبها كما قال عبدي، فإذا لَقِيني جزيتُه بما قال)".

وليسمح لنا الأستاذ الكبير أن نقول له:
إن معنى هذا الحديث يحكُم بوضعه أو ضعفه على الأقل ضَعفاً تَستبعِد معه نِسبته إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- إذ أنّ معناه يُخالفُ المقطوع به من الكتاب والسنّة: من أن وظيفة الملائكة قاصرةٌ على الاحصاء والتدوين، فلا تتعدى إلى تقدير الأعمال ووضع درجاتها، فهم شهود على العبد يُسجّلون أعماله ثم يؤدّونها إلى الذي ((يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور) والذي يزِنها بالنّية وإخلاص القلب، فيضع لها من الدرجات ما هي جديرةٌ به.
وقد تتشابه صورُ الأعمال فتُسجّلها الملائكة كما صدَرَت، فيرفَعُ اللهُ بها قوماَ، ويخفض بها آخرين، ومقياس ذلك بيده وحده لا شريك فيه حتى الملائكة.

هذا من حيث معنى الحديث أمّا سنده فلْيَدُلّنا عليه! نكن له من الشاكرين؛ على شرطِ أن يعافينا من الإحالة على (إحياء) -من يُسمّونه- حُجّة الإسلام، ومن يُسمّيه المُحقّقون (الحجّة على الإسلام) الذي ذكر الحافظ العراقي على شواهده من السّنة، فلم يدعْ أديماَ صحيحا.

 والذي يرجع إليه السبب الأكبر في طبع الأستاذ بهذا الطابع الصوفي، الذي طالما جرّهُ إلى مثل هذه المواقف التي ما كُنّا نحب أن يتورّط فيها، وقد كان يكفيه ما ساقه من الشواهد القرآنية، وله من صحيح السّنة ما يعضده هذه الشواهد لو كانت بحاجة إلى عضد، ولكنه أبى إلا أن يكون مَثَلُه كمثل رجلٍ بنى بيتاً بالأسمنت المُسلّح، ثم جعل أعمدتَه من لبنٍ وطين، فلا يلبث بأقلّ ثقلٍ أن ينهار من أساسه !!

ثم انظر أيها القارئ كيف ظهرت على فضيلة المرشد أعراض التصوّف، وأوضح ظهور عندما تجرّد من ماديته ولع من الروحانية المبلغ الذي يقول فيه:
"بل إن بعضهم فرض هذه الرّقابة على خطرات نفسه، كما أحكمها مع جوارحه وحِسّه، وكان يُردد وهو يعني ما يقول:
ولو خطرت لي في سواك إرادة
على خاطري يوماً حكمتُ بردّتي "

فأنشدك أيها القارئ العزيز:
هل كان يصلح لفضيلة المرشد العام الذي يصغي لرشاده ودروسه آلاف المريدين أن يجعل قول معتوهٍ من ضُلّال الباطنية شاهدا في حديث ملأه بآي الذكر الحكيم ؟!
فإذا كان هذا القائل يعني ما يقول فيسد منافذ قلبه حتى لا يدخلها غير ما يريد من الخواطر والخلجات فرسول اله صلى الله عليه وسلم- أفهم لما يقول عنه في رواية صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه- أنه قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خَلَق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فلْيستعذ بالله ولينته".

هذا هو القول الوارد عن المعصوم  الذي يعبّر عن الفطرة الإنسانية كما خلقها الله فيُشخّص داءها ثم يصرف دواءها، ولا يخرجها عن دائرة ضعفها وأصل تصميمها كما أخرج شاعر الأستاذ نفسه منه1ه الدائرة فكان من الكاذبين؛ كيف والله يقول في المؤمنين من الصحابة: ((ويظنون بالله الظنونا)) وما طعن ذلك في إيمانهم ولا قصد؛ ونعوذ بالله من تنكُّب الجادّة.

ولعلم الله عز وجل- بما ركب في فكر عباده من الضعف وأن خَطَراتَ النفس لا يمكن ان ينجو منها إنسان، قال رسوله صلى الله عليه وسلم- في الحديث الوارد في صحيحي البخاري ومسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست أو حدّثت به أنفسها مالم تعمل به أو تكلّم" فإذا لم تكن الوسوسة جبليّة في الإنسان وأنه مهما أقام عليها من سدود (حُلولية) وجسور (صوفية) لا يمكن أن يقاوم تيارها لما ذكرها الرسول وأبان طريقَ الخلاصِ من شرّها، وما أمر اللهُ إياه بالاستعاذة من الوسواس الخنّاس ببعيد عمّا نحن بسبيله.

 فهل يُصغي إلينا فضيلة المُرشد لو أشرنا عليه بتجريد حديثه من هذه الرقائق (الغزّالية) التي لا تنهض بها حُجّة، وله من كتاب الله وصحيح السنة شواهد لا ينضب معينها ولا تخلق مع الأيام جدّتها؟
عدد زوار الموقع