آخر المواضيع

مرحباً بكم على موقع ((لا صوفية في الإسلام)) تجدون في هذا الموقع : مقالات، صوتيات، كتب، مرئيات، وغيرها من الفوائد والفرائد والكنوز. نتمنى لكم متابعة ممتعة ومفيدة..

الجمعة، 20 مارس 2009

العلامة الإمام المجاهد محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله والصوفية.

محمد البشير الإبراهيمي من علماء الجزائر ورئيس جمعية العلماء المسلمين الثاني (1889-1965).

يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عن مصطلح التصوف:
(لو كان للمسلمين يوم اتسعت الفتوحات ديوان تفتيش لكانت هذه الكلمة من المواد الأولية المحرمة الدخول)
ويقول: (ثم ما هذا التصوف الذي لا عهد للإسلام الفطري النقي به؟ إننا لا نقره مظهراً من مظاهر الدين أو مرتبة عليا من مراتبه، ولا نعترف من أسماء هذه المراتب إلا بما في القاموس الديني: النبوة والصديقية والصحبة والاتباع، ثم التقوى التي يتفاضل بها المؤمنون، ثم الولاية التي هي أثر التقوى ...هل ضاقت بنا الألفاظ الدينية ذات المفهوم الواضح والدقة العجيبة في تحديد المعاني حتى نستعير من جرامقة اليونان أو جرامقة الفرس هذه اللفظة المبهمة الغامضة التي يتسع معناها لكل خير وشر؟).

ثم يقول –رحمه الله- معلقاً على المفهوم من معنى التصوف عند الناس: (إن هذه القلعة لهي المعقل الأسمى والملاذ الأحمى فكل راقص صوفي، وكل ضارب للطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجن خليع صوفي، وكل مسلوب العقل صوفي، وكل آكل للدنيا بالدين صوفي، وكل ملحد في آيات الله صوفي، وهلم سحباً، أفيجمل بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضلال وتؤويه، أم يجب عليهم أن يحملوا عليه حملة صادقة شعارهم: (لا صوفية في الإسلام) حتى يدكوها دكاً وينسفوها نسفاً ويذروها خاوية على عروشها؟ إن احترام الصوامع والأديرة - لأن فيها قوماً فحصوا أرؤسهم وحبسوا نفوسهم – مشروط بما إذا لم تكن مأوى للمقاتلة، وإلا زال احترامها).

ويقول –رحمه الله –: (والحقيقة أن الطرقيين أرادوا أن يصبغوا طرقهم بالقدسية الدينية، فانتحلوا لها هذه الأباطيل وأعطوها خصائص الدين كلها، ألم تر أنهم يعدون الخروج من طريقة ولو إلى طريقة أخرى كالارتداد عن الدين يموت فاعله على سوء الخاتمة قبحهم الله؟).

ويقول –رحمه الله- عن الصوفية الذين عاصرهم: (ولعل أسخف طور مر على الطرقية في تاريخها هو هذا الطور الأخير. فقد أصبح من أحكامها أن شيخ الطريقة لا يلد إلا شيخ طريقة).

وكان يرى - رحمه الله – أن للصوفية أثراً في فشو الإلحاد،
يقول: (وإنك لا تبعد إذا قلت: أن لفشو الخرافات وأضاليل الطرق بين الأمة أثراً كبيراً في فشو الإلحاد بين أبنائها المتعلمين تعلماً... وتعلما أو ربياً، الجاهلين بحقائق دينهم؛ لأنهم يحملون من الصغر فكرة أن هذه الأضاليل الطرقية هي الدين، وأن أهلها هم حملة الدين، فإذا تقدم بهم العلم والعقل لم يستسغها منهم علم ولا عقل، فأنكروها حقاً وعدلاً، وأنكروا معها الدين ظلماً وجهلاً، وهذه إحدى جنايات الطرقية على الدين، أرأيت أن القضاء على الطرقية قضاء على الإلحاد في بعض معانيه، وحسم لبعض أسبابه).

ثم يقول –رحمه الله- محللاً مبدأ أمر التصوف: (وأما المذاهب الصوفية فهي أبعد أثراً في تشويه حقائق الدين، وفي تفريق كلمة المسلمين؛ لأنها ترجع في أصلها إلى نزعة غامضة مبهمة، تسترت في أول أمرها بالانقطاع للعبادة والتجرد من الأسباب والعزوف عن اللذات الجسدية والتظاهر بالخصوصية، وكانت تأخذ منتحليها بشيء من مظاهر المسيحية، وهو التسليم المطلق، وشيء من مظاهر البرهمية، وهو تعذيب الجسد وإرهاقه؛ توصلاً إلى كمال الروح زعموا.
فراب أئمة الدين حراس الشريعة فوقفوا لها بالمرصاد، فلاذ منتحلوها بفروق مبتدعة يريدون أن يثبتوا بها خصوصيتهم كالظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة، إلى ألفاظ أخرى من هذا القبيل لا تخرج في فحواها عن جعل الدين الواحد دينين).

ثم يقول –رحمه الله –: ثم أمِرَ أمر هذه الصوفية وتقوّت على الزمن، والتقت مع الباطنية وغيرها من الجمعيات التي تبني أمرها على التستر، على طبيعة دساسة وعرق نزاع ومزاج محتد، واختلطت تعاليم هذه بتعاليم تلك، وتشابهت الاصطلاحات، وابتلي المسلمون من هذه النحل بالداء العضال، وقد اتسع صدرها بعد أن تعددت مذاهبها، واختلفت مشاربها في القرون الوسطى والأخيرة من تاريخ الإسلام، فانضوى تحت لوائها كل ذي دخلة سيئة وعقيدة رديئة، حتى أصبح التصوف حيلة كل محتال، وحيلة كل دجال، وأن هذه الطرق المنتشرة بين المسلمين والتي تربو على المذاهب الفقهية عداً،كلها على ما بينها من تباين الأوضاع، واختلاف الطباع، وتنافر الأتباع، تنتسب إلى هذا التصوف، ولكنه انتساب صوري اسمي، وشتان ما بين الفرع وأصله).

ثم يعدد –رحمه الله – بعض المخالفات التي وقع فيها المتصوفة، فيقول مخاطباً لهم: (أليس فيكم من يبيع الأولاد للعقيم ويبيع الراحة للسقيم؟
أليس فيكم من يهدَد بخراب البيت وموت الأولاد وهلاك الحرث والماشية إذا هو قطع عادة أو قصر في شيء من رسوم الخدمة؟
أليس فيكم من كتب على قبر أبيه:

هذا مــقام ابراهيـــم ومن دخله كان آمناً
لا يخشى من الجحيم ومــن النـار حـامياً

فأضاف تلك الشنعاء شنعاء أخرى وهي تحريف آية من كتاب الله؟

أليس فيكم من يقول في صراحة: إنه يتصرف في الوجود ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ثم ينحل هذا التصرف غيره لتكون له أسوة؟
إن وجوداً يكله الله لتصرفكم لأهون وجود، وهل بلغ هذا الكون البديع من الهوان على الله أن يكله إلى تدبيركم أيها الحمقى ونحن نراكم أعجز عن تدبير(خبزة) فلا تبلغونها إلا بدفع دينكم ثمناً لها؟
أليس من الشائع في معتقدات العامة التي هي من وضع أيديكم أن من زار مقام فلان ثلاث مرات كتبت له حجة؟
وهل في التعطيل لأركان الدين أشنع من هذا؟ لكم الويل أكُلُّ هذا في سبيل إشباع بطونكم؟

بلى، كل هذا فيكم وفيكم غيره مما نعد منه ولا نعدده، وإننا لنعلم أن منكم من ينكر هذا في نفسه ويبرأ منه، ولكن لماذا لا يمد يده إلينا ويرفع صوته معنا بالإنكار لهذه الشناعات التي صارت سمة ونعتاً، وعرفتم بها وعرفت بكم؟
لماذا لا ينضم إلينا فيكون لنا من بعضكم الصالح عون على بعضكم الطالح؟
لولا أنكم تتقارضون سكوتاً بسكوت لأن ضلالكم(مصلحي) والمصلحة أنواع.)

النقول مجموعة من كتاب: آثار البشير الإبراهيمي. مواضع متفرقة منه

ما حقيقة الصوفية ؟ للشيخ يحي الحجوري وفقه الله



الإجابة:
حقيقتهم هم فرقة مبتدعة ضلال، هذه حقيقة لا مرية فيها بشتى أصنافهم، سواء كانوا حصافية أو تيجانية أو شاذلية أو رفاعية نقشبندية أو جنيدية أو غيرهم من فرق الصوفية،
وهو أصناف:
منهم: زنادقة حلولية واتحادية كفرة.
ومنهم: من يؤمن بوحدانية الله عز وجل لكنهم مشركون يعظمون ساداتهم وكبراءهم تعظيمًا زائدًا حتى اعتقدوا فيهم النفع والضر مع الله، أو من دون الله، وأن لهم تصرف في الكون؛ وهذا كفر بواح.
ومنهم: أصحاب بدع وخرافات وأوراد مبتدعة،
مثل: قولهم: (هو.. هو.. هو..)، أو: (الله.. الله.. الله..)، ويتعبدون لله بالرقص والأغاني والموالد وضرب الطبول في المساجد والتمايل والتكسر، وأكثر من يبتلى بفكر التصوف يئول أمره إلى الانسلاخ عن الدين!
إما بالاتحاد أو الحلول، وإما بشركيات بالله عز وجل.
ومؤسسو الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ صوفية، ولا شك في ذلك، قال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:32]..
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الجاثية:6]..
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:21]..
﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة:130]،
المبتدعة من أسفه الناس؛ يأتون مشرعين في دين الله،
قال الله عز وجل: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى:21].المتحذلق منهم، يستدل بمثل حديث جرير البجلي أن النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة في الإسلام فله أجرها وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجره شيئًا، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها»(2)،
قالوا: نحن نسن سننًا حسانًا، السنة شرع السنة دين، والمقصود أن من سن سنة أي سلكها، بعد أن أميتت أحياها، والحديث في سياق الصدقة، والصدقة مشروعة من زمن بني إسرائيل، من الملل المتقدمة،
واقرأ قصة سلمان الفارسي(3): أن راهبًا كان يأمر الناس بالصدقة ويكتنزها، فلما مات قال سلمان: هذا الرجل خبيث، هذا الرجل كان يأمركم بالصدقة، ويكتنزها لنفسه، فلما دلهم على كنزه لم يدفنوه، لأنه كان يأمر بالصدقة وما يرسل الصدقة إلى ذويها ومستحقيها، الصدقة مشروعة، قال الله سبحانه وتعالى عن عيسى: ﴿‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم:31]،
فما أجهل جهلًا ولا أسخف عقلًا، ولا أضل سبيلًا ممن يستدل بهذا الحديث على أن الإنسان له أن يشرع للناس سننًا لم يأذن بها الله في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»(4)، أي: طريقتهم في فهم الكتاب والسنة، وإلا فالسنة وحي يوحى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:1-4]،
فمن أين لك أيها الصوفي وحي يوحى من الله، ما عندك في هذا القول إلا وحي الشيطان، قال الله تعالى:
﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام:121].
قال بعضهم: إن التصوف موجود زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نسبة إلى أهل الصفة السقيفة التي كانت بجانب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا كلام نعوذ بالله منه؛
فإنه تهمة لبعض أجلاء الصحابة، مثل أبي هريرة بأنهم صوفية، والتصوف معلوم أنه بدعة، وهكذا من كان على منواله من أئمة الحديث وأئمة الزهد.
وأئمة الخير والدين، في القرون الثلاثة المفضلة؛ وكلهم برآء من فتنة التصوف، التي إنما حدثت بعد القرون المفضلة، ولو كان نسبة إلى الصفّة لقالوا: صفي، كذا يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه في الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولو كان بعضهم يقول: إلى أنه من الصفاء، من أين يأتي الصفاء مع البدعة، لا صفاء مع البدعة، بل دغل وغش وخيانة وظلم للنفس وظلم للغير، وخبث بالبدعة، ولو كان من الصفاء لقالوا: صفوي، لعرف بأنه صفوي من الصفاء.
وقال بعضهم: إنه من لباس الصوف، إذ أن بعضهم كان يلبس الصوف في أيام الحر الشديد، ويلبس الملابس الرقاق في أيام البرد الشديد،
ويقول: من أراد الجنة فلينم في المزابل!!
ويمشي مثل المجنون، مثل الأبله هذا هو الولي عند بعضهم حتى قال قائلهم:
هم معشر حلوا النظام واخترقوا *** مجانين غير أن سرَّ جنونهمالأسياج
فلا فرض لدينهم ولا نفل *** عزيز على دربه يسجد العقل
وصل الحد ببعضهم إلى القول بأن عندهم علم الحقيقة، أما أنت يا صاحب المصحف والسنة ما عندك إلا علم طريقة فقط، حدثنا فلان عن فلان عن فلان.. ميت عن ميت، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم!
أما هو فعنده علم حقيقة: حدثني قلبي عن ربي، مباشرة، بهذه الصورة يكون قد استغنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يحتاج إلى رسول، مباشرة من القلب إلى الرب،
قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لحديث قصة موسى والخضر(5): من زعم أنه يستغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: بهذا الذي يسمونه علم الحقيقة- كما استغنى الخضر عن موسى -أو قال: موسى عن الخضر-؛ فهو كافر.
ومنهم من يزعم أنه بلغ درجة اليقين وأنه ما عليه تكليف، لا يطلب منه أن يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يحج، ويستدلون بقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99]، وفي الحقيقة: (حتى يأتيك الكفر)، والآية معناها: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99] أي: الموت، المراد باليقين: الموت، حتى تموت،
فأما هؤلاء فيفسرونها بالباطل، يستدلون بالقرآن على الكفر..
والصوفية أصناف شتى، وطرائق قددًا، فمنهم الكافر مثل: ابن عربي؛ الذي يقول: (ما في الجبة إلا الله) يعني نفسه..
والحلاج الحسين بن منصور الذي يقول:
أنا الله بلا شك *** وتوحيدك توحيدي
فسبحانك سبحاني *** وعصيانك عصياني
وهذا اتحاد وهو كفر ما بعده كفر..
إذ كيف يعتقد أنه الله بلا شك، والحسين بن منصور الحلاج هو ذلك الدجال الذي قال له مريدوه: يا حبيب نريد فسحة، فذهب وخبأ بعض الأطعمة قبلهم، فلما أصبحوا قال: أي وجهة تريديون؟ قال زملاؤه الذين كانوا معه حين خبأ الطعام: نريد وجهة كذا، فقال الآخرون: نأخذ ماءً وطعامًا.
قال: لا؛ هذا يتنافى مع التوكل، ارحلوا بدون أن تأخذوا ماء ولا تأخذوا كذلك طعامًا ولا شيء، فلما وصلوا إلى هناك قال: جعنا يا حبيب، عطشنا يا حبيب، قال: انتظروا، ذهب ونعشها وأتاهم بها باعتبار أنها كرامة!!يا إخوان، هؤلاء الناس يعلبون على العوام وعلى من طمس الله بصيرته...
وهذه القصة التي ذكرناها هي بنحو ما ذكر ابن الجوزي في تلبيس إبليس، ونقلناها بنصها في رسالة: (هذا بيان للناس) التي طبعت في آخر كتابنا: (الطبقات).. ولله الحمد.
الصنف الآخر: عباد كانوا من قبل مثل الحارث المحاسبي وبشر الحافي.. وأمثال هؤلاء كانوا عبادًا، تفرغوا للعبادة، وبعضهم أحرق كتبه، وبعضهم صار ضعيفًا وضاعًا بسبب إقباله على العبادة وغفلته الشديدة عن الحديث حتى نقل ابن رجب رحمه الله في آخر ملحق علل الترمذي عن يحيى بن سعيد رحمه الله قال: ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث.
وقال ابن مندة: إذا رأيت في الحديث حدثنا فلان الزاهد فاغسل يدك منه.
قلت: وهذا ليس على إطلاقه، لكنه من باب ما ذكرنا عن ذوي الغفلة الشديدة، ولما أقبلوا على العبادة بغير سنة درجت عليهم بدع كثيرة في عبادتهم، وأنكر عليهم أهل العلم هذا الصنيع، ولما قيل للإمام أحمد: إنه رجل ذا حديث -يعنون: بشرًا- قال: أو كل من نكس رأسه قلت: هو محدث؟!!
فالزهد ما هو مجرد قربعة بالمسبحة، ولا هو تكبير إمامة، ولا توسيع كم الثوب، ولا بتنكيس الرأس وتغميض العينين.
إنما الزهد كما عرفه شيخ الإسلام: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة.
فهؤلاء لم يكونوا موجودين من قبل، وهم ضلال، أيضًا حتى هذا الصنف يعتبرون ضلالًا، خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن مسعود أتى على أناس في مسجد بني حنيفة وهم يسبحون، وينبري واحد منهم ويقول: احمدوا مائة، سبحوا مائة، كبروا مائة، فابن مسعود قال: (من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود، أيها الناس! فقتم أصحاب رسول الله علمًا، أم جئتم ببدعة ظلماء؟ والله إن هذه آنية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكسر، وثيابه لم تبلى، وقد أحدثتم في دين الله ما أحدثتم)(6)،
فانظروا إلى البدعة كيف ارتفعت بهم، أعني عالت عليهم حتى صاروا خوارج يطاعنون برماحهم مع أصحاب النهروان، قال: (لقد رأيت أولئك يطاعنون مع أصحابهم) مع الخوارج، فأنكر ابن مسعود هذا الصنيع، وقبله أنكر ذلك أبو موسى، ينكرون هذا حتى ولو كان شيئا ًمن الذكر وهو مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقرونه، فحدثت بعد القرون هذه، وهي منكرة، وأناس الآن أيضًا جمعوا بين أنواع الشرور، جمعوا بين الشركيات والتمسح بالقبور وكذلك أيضًا الأذكار المبتدعة والأوراد، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى السنة، بالرغم أن ابن أدهم والحارث المحاسبي ما كانوا كذبة مثل هؤلاء، أما هؤلاء كذبة، هؤلاء دجاجلة، الصوفية الموجودة الآن دجاجلة، وكذلك أيضًا الطعن في السنة وفي أهلها وإزاغة الناس وجمع المال من هنا أو هنا لقصد الباطل مثل السقاف وأمثاله.فهؤلاء الثلاثة الأصناف، منهم كفار متفق على كفرهم: الحلولية والاتحادية ومن سمعت ذكرهم أو بعض الذين سمعت منهم، ومنهم عباد زهاد مبتدعة أنكر عليهم السلف وليسوا هم بمشركين، بل إنما تركوا العلم وأعرضوا عنه، وأقبلوا على العبادة، بعضهم يبقى في زاوية عشر سنين حتى يموت على جهل والله كثير منهم، وبعضهم يبقى يجمع بين الشركيات والبدع والخرافات، وكثير منهم يستلذ مذهب ابن عربي في هذه الأصول، والله المستعان.فهذه بعض حقيقتهم، وما دام أمرهم مستفحلًا ومستمرًا، وتنشأ لهم المدارس الخرافية، وما زالوا يشيعون ويذيعون شركياتهم وبدعهم..
وكان ينبغي أن يبين حالهم بقدر أوسع من هذا بإذن الله عز وجل، نسأل الله التوفيق.
(1)إزالة بعض الحواجز الخفية عن حقيقة الصوفية-1، بتاريخ: ليلة الخميس 24 ذي القعدة 1422ه‍.. دماج-صعدة.
(2) تقدم.
(3) رواه أحمد (ج5ص441)، وهو في الصحيح المسند للعلامة الوادعي رقم (440).
(4) تقدم.
(5) رواه البخاري رقم (74و78و122)، ومسلم رقم (2380).
(6) تقدم هذا الأثر.

الثلاثاء، 17 مارس 2009

تاريخ التيجانية في الجزائر

قال الدكتور علي بن محمد آل دخيل الله في كتابه ((التجانية)) ص. 66 :
(قدم التجانيون في الجزائر والمغرب خدمات جليلة للفرنسيين ، وقد كافأهم الفرنسيون على هذه الخدمات بالمال والجاه والنفوذ،
و سأذكر فيما يلي مجموعة من الحقائق التأرخية التي تدين التيجانيين و تبيين علاقتهم الوثيقة بالإستعمار والمستعمرين:
قال (روم لاندو) في كتابه : (تاريخ المغرب في القرن العشرين) : ((وقد خبر الفرنسيون قضية الطرق الصوفية والدور الذي تلعبه مرات متعددة من قبل، وثمة وثيقتان قلما يعرفهما الناس تزودنا بالمعلومات الطريفة ؛ أولهما رسالة بعث بها قبل قرن من الزمن المارشال (بوجو) أول حاكم للجزائر إلى شيخ التجانية ذات النفوذ الواسع، إذ أنه لولا موقفها المشبع بالعطف لكان اسقرار الفرنسيين في البلاد المفتتحة حديثا أصعب بكثير مما كان)).
و يقول المارشال في نهاية الرسالة: ((عندما تشعر بحاجة إلى شيء ما أو إلى خدمة من أي نوع كانت فما عليك إلا أن تكتب إلى مرافقي الذي سيسره أن يبلغني رغباتك)).
ثم قال (روم لاندو) :
((و وثيقتنا الثانية تلقي ضواءا على طريقة الإقناع، إنها إعلان بعث به خليفة التيجاني الذي تلقى رسالة المارسال (بوجو) إلى أتباعه بمناسبة الحرب بين فرنسا والأمير عبد الكريم سنة 1925م يدعو فيه إخوانه إلى مؤازرة الدولة المسيحية ضد مواطنيهم من المسلمين.و يقول الشيخ التيجاني محمد الكبير بن البشير في هذا الإعلان :
((إن فرنسا تكافئ على الخدمات التي تقدم لها.. و فرنسا قد انتصرت مؤخرا في حرب (1914-1919م) على واحدة من أعظم دول أربا وأقواها، ألا ينصر سبحانه من يشاء))
ويقول (بول أودينو) :
((خلال السنين الستين الأخيرة كانت التيجانية تقدم لنا العون، ومنذ سنة 1911م و نحن نستغل نفوذها القوي في جنوبي المغرب وموريتانيا والريف)).
وفي 1287هـ-1870م عندما هزم الفرنسيون شر هزيمة قام أحمد التيجاني - الحفيد - بتقديم الشكر باسم الجزائريين إلى بقية جنود التيرايور الذين سلموا من معركة (ريش - هوفن) ووقعة (ويسانبور) فكافأه الكردينال لافيجري بأن تولى عقد زواج أحمد التيجاني شيخ التيجانية يومئذ على مدام (أوريلي بيكار) التي بقيت على كاثولكيتها، ولما توفي عنها خلفه عليها و على سجادة التيجانية أخوه علي فصاروا يسمونها (زوجة السيدين)، وقد كتبت كتابا بعنوان : (أميرة الرمال) ملأته بالمثالب على مسلمي الجزائر والزاوية التيجانية، وقد كافأتها السلطات الفرنسية لقاء ما قدمته من خدمات بوسام جوقة الشرف و قالت عنها في براءة التوجيه :
(إن هذه السيدة قد أدارت الزاوية التيجانية إدارة حسنة كما تحب فرنسا و ترضى، وساقت إلينا جنود مجندة من (أحباب) هذه الطريقة و مريديها يجاهدون في سبيل فرنسا صفا كأنهم بنيان مرصوص)). انتهى ملخصا.
و عندما قامت بعثة عسكرية في سنة 1349هـ - 1931م بزيارة منطقة الأغواط بالجزائر دعاها شيخ التيجانية في ذلك الحين محمد الكبير لزيارة عين ماضي المركز الرئيسي للطريقة التيجانية، و هناك ألقى حسني سي أحمد بن طالب خطبة باسم الشيخ محمد الكبير ذكر فيها بعض الخدمات التي قدمتها التيجانية للفرنسيين فكان مما قاله :
((إن من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا فرنسا ماديا وأدبيا وسياسيا، ولهذا فإني أقول لا على سبيل المن والإفتخار و لكن على سبيل الإحتساب والتشرف بالقيام بالواجب : إن أجدادي قد أحسنوا صنعا في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل إلى بلادنا وقبل أن تحتل جيوشها الكريمة ديارنا))...
((ففي سنة 1838م كان جدي سيدي محمد الصغير قد أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا الأمير عبد القادر الجزائري، و مع أن هذا العدو قد حاصر بلدتنا (عين ماضي) و شدد عليها الخناق ثمانية أشهر، فإن هذا الحصار انتهى بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين و ليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين، وذلك أن جدي أبى وامتنع أن يرى وجها لأكبر عدو لفرنسا فلم يقابل الأمير عبد القادر)).
((و في سنة 1864م كان عمي سيد أحمد مهد السبيل لجنود الدوك دومال وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة و عاونه على احتلالها)).
((و في سنة 1881م كان المقدم سي عبد القادر بن حميدة مات شهيدا مع الكولونيل (فلاتين) حيث كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية)).
((و في سنة 1894م طلب منا مسيو (جول كوميون) والي الجزائر العام يومئذ أن نكتب رسائل توصية فكتابنا عدة رسائل وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد (الهكار) (التوارق) والسودان (أي السودان الفرنسي) نخبرهم بأن حملة فود ولامى الفرنسية هاجمة على بلادهم، ونأمرهم بألا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد و على نشر العافية فيها)).
((و بالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التجانية نفوذها الديني ألا وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها و تحقيق رغائبها و ذلك لأجل عظمة و رفاهية و فخر حبيبتنا فرنسا النبيلة)).
و من هذه النصوص يتبين كيف تمكنت فرنسا من قلوب مشايخ الطريقة التيجانية في الجزائر، فقدموا لها سنوات ما لا تستطيع الجيوش أن تقدمه في قرون، وبهذا تدرك سر تمكن الإستعمار الفرنسي في الجزائر والشمال الإفريقي و بقائه مدة طويلة من الزمن، كما تدرك سر خطورة انحراف المسلمين عن منهج الإسلام الصحيح و كيف يجر هذا الإنحراف على الأمة النكبات والويلات.
نسأل الله أن يعصمنا من الزلل.
و ما تمكن الإستعمار في عصرنا الحاضر في أصقاع العالم الإسلامي المترامي الأطراف إلا نتيجة من نتائج البعد عن كتاب الله.

الجمعة، 6 مارس 2009

حكم الاحتفال بالمولد النبوي


للشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.

والجواب أن يقال:

لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة- رضوان الله على الجميع- ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } ، أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر: { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة } .
ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها.
وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7]، وقال عز وجل: ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))[النور:63]، وقال سبحانه: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً))[الأحزاب:21]، وقال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))[التوبة:100]، وقال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً))[المائدة:3].
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة،كما ثبت في الحديث الصحيح، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم } رواه مسلم في صحيحه.
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء،
بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين.
وقد جاء في معناهما أحاديث أُُخر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: { أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم،وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة } رواه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها.
وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة.
والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
كما قال الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً))[النساء:59]، وقال تعالى: ((وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)) [الشورى:10].
وقد رددنا هذه المسألة - وهي الاحتفال بالموالد- إلى كتاب الله سبحانه، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك- أيضاً- إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: ((وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ))[البقرة:111]، وقال تعالى: ((وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))[الأنعام:116].
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين } ، وقال صلى الله عليه وسلم: { لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله } أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه.
ومن العجائب والغرائب: أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد ي حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات،
ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتي منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.

ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون: ((ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ))[المؤمنون:15- 16].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأول مُشَفَّعٍ } عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سطان. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.
أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[الأحزاب:56].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً} ، وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها بعد الأذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.
والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمن على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة، إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه .
عدد زوار الموقع